أخبار اقتصادية- عالمية

شركات الأغذية السريعة تهاجم خطة لحظر إعلاناتها .. ومبيعاتها تنمو رغم مضارها

شركات الأغذية السريعة تهاجم خطة لحظر إعلاناتها .. ومبيعاتها تنمو رغم مضارها

زيادة الوعي الأسري في تفضيل الغذاء الطبيعي والصحي يمكن أن يؤثر سلبا على نمو الصناعة.

هاجمت شركات مواد غذائية كبرى في المملكة المتحدة خطة حكومية تهدف إلى حظر جميع إعلانات الوجبات السريعة عبر الإنترنت للتصدي لسمنة الأطفال.
يأتي ذلك في وقت توقع فيه محللون بلوغ مبيعات صناعة الأغذية السريعة العالمية نحو 932 مليار دولار بحلول 2027.
الشركات التي رفضت الخطة بعثت برسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أكدوا فيها دعم جهود الحكومة لمكافحة سمنة الأطفال، لكنهم عدّوا أن الخطة الحكومية "غير ملائمة" وتفتقر إلى أدلة بأن زيادة معدلات سمنة الأطفال تعود إلى استهلاكهم منتجاتهم الغذائية.
خطة الحكومة البريطانية بنيت في الأصل على أساس ضرورة حظر الإعلانات عبر الإنترنت والإعلانات التلفزيونية للأطعمة غير الصحية قبل الساعة التاسعة مساء. وحصلت الخطة على دعم رئيس الوزراء بوريس جونسون، بعد إصابته بوباء كورونا ودخوله المستشفى، حيث ربط الأطباء بين إصابته بالفيروس والوزن الزائد.
الخطة الحكومية التي لا تزال قيد التشاور، يمكن أن توجد قيودا تسويقية هائلة في مجال التسويق الرقمي لعديد من شركات الأطعمة والوجبات السريعة بحلول نهاية عام 2022، إذ لن تتمكن تلك الشركات من الترويج للأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون أو الملح أو السكر في إعلانات فيسبوك أو نتائج البحث المدفوعة على موقع البحث جوجل أو العروض الترويجية النصية والمنشورات على منصات مثل "تويتر" و"إنستجرام".
وكانت الحكومة البريطانية قد قدرت أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما تعرضوا العام الماضي لـ15 مليار إعلان عن الوجبات السريعة عبر الإنترنت مقابل 700 مليون إعلان فقط قبل عامين.
الرسالة التي وجهت لرئيس الوزراء البريطاني تضمنت توقيع 800 مصنع للأغذية والمشروبات وثلاثة آلاف علامة تجارية بريطانية.
وبرر الموقعون موقفهم بأن شركات الأغذية لم تمنح الوقت الكافي لتقديم اعتراضات مفصلة، خاصة أن مقترح الخطة الحكومية البريطانية لم يتضمن تعريفا متفقا عليه للأغذية التي ستخضع لتلك الخطة، كما أنه اتسم بدرجة واسعة جدا من العمومية، وتضمن مجموعة ضخمة من الأطعمة شديدة الشعبية في المملكة المتحدة.
ربما تحتل تلك القضية أهمية خاصة في المملكة المتحدة، فصناعة الطعام والشراب أكبر قطاع صناعي في البلاد، وتقدر قيمتها بأكثر من 28 مليار جنيه استرليني ويعمل بها نصف مليون شخص
لكن في الحقيقة فإن تلك القضية تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة عديد من الجوانب المرتبطة بصناعة الأغذية والأطعمة والوجبات السريعة في الاقتصاد العالمي.
وربما يبدو السؤال الأول البديهي ما الوزن الكلي لتلك الصناعة في الاقتصاد الدولي؟ وكيف تستطيع الشركات العاملة في تلك الصناعة مواصلة النمو رغم تزايد الوعي العالمي بخطورة تلك الأنواع من الأطعمة؟
مارتن سميث الباحث في مجال الصناعات الغذائية يشير إلى الثقل الذي تتمتع صناعة الأغذية السريعة ضمن الصناعات الغذائية بصفة عامة.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "حجم السوق الغذائية العالمية بلغ 3.4 تريليون دولار عام 2018، ومن المتوقع أن يبلغ 4.2 تريليون بحلول عام 2024، وحققت سوق الوجبات السريعة العالمية 647.7 مليار دولار العام الماضي، ويقدر أن تصل إلى 931.7 مليار دولار بحلول عام 2027، وستسجل الصناعة معدل نمو سنوي مركب قدره 4.6 في المائة من عام 2020 إلى عام 2027، وتشكل صناعة الوجبات السريعة الأمريكية 32.7 في المائة من السوق العالمية، والعام الماضي تمكنت صناعة مطاعم الوجبات السريعة من تحقيق أرباح بلغت 273 مليار دولار في الولايات المتحدة فقط".
لا شك أن أنماط الحياة السريعة تساعد على اعتماد الوجبات السريعة الغربية، ومع تواصل الاتجاه العام للتفضيل المتزايد للأغذية الرخيصة وعدم وجود وقت كاف لطهي الطعام منزليا، يؤثر إيجابيا في نمو الوجبات السريعة.
وعلى الرغم من أن بعض التقارير الدولية أشارت إلى أن زيادة الوعي الأسري في تفضيل الغذاء الطبيعي والصحي بسبب زيادة معدلات السمنة وأمراض السكري خاصة في البلدان الأكثر ثراء يمكن أن يؤثر سلبا في نمو الوجبات السريعة، إلا أن لورين دين أستاذة التغذية في جامعة لندن ترى عكس ذلك.
وتؤكد لـ"الاقتصادية"، أن جميع العلامات التجارية العشر الأولى للوجبات السريعة على مستوى العالم في عام 2019 لها جذور في الولايات المتحدة، حيث إن صناعة الوجبات السريعة وصلت تقريبا إلى مستويات التشبع في الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك تعمل عديد من السلاسل والمطاعم الأمريكية على زيادة آثارها الدولية لمواصلة النمو.
وتضيف، "نمو الطبقة المتوسطة ذات الدخل المحدود خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يدفع فئة الشباب الذين يعانون ضيق الوقت إلى التوجه إلى هذا النوع من الأطعمة، وعلى الرغم من أنه يتوقع أن تتباطأ صناعة الوجبات السريعة في الولايات المتحدة إلى معدل نمو سنوي يبلغ 2 في المائة تقريبا حتى عام 2022، فإن الوجبات السريعة لا تتراجع تماما لدى المستهلك الأمريكي، إذ نمت الإيرادات السنوية لصناعة الوجبات السريعة في الولايات المتحدة 90 مليار دولار على مدى العقد الماضي، وهناك 50 مليون أمريكي يتناولون الوجبات السريعة يوميا".
نجاح شركات الوجبات السريعة رغم حملات التوعية الدولية بخطورة الاستهلاك المفرط لهذا النوع من الأطعمة، يجعل البعض يصورون الأمر وكأنه أمام سيناريو مخيف لأحد أفلام الخيال العلمي، حيث لا يموت الوحش، ولكنه يستمر في التحول إلى وحش أكثر شناعة ولكن بصورة مختلفة.
وفي هذا السياق يحمل المعارضون للوجبات السريعة شركات التسويق المسؤولية، من خلال قيامها بصياغة رسائل جديدة تجعل الجميع يعتقد أنهم أمام منتج جديد تعلم من أخطاء الماضي وبات أكثر صحية.
الدكتورة أماندا جونسون أستاذة التوعية الغذائية في جامعة جلاسكو والعضوة في عدد من المنظمات والجمعيات التي تكافح مرض السمنة والأمراض المرتبطة بالوجبات السريعة، تتبنى موقفا شديد الخصومة مع تلك النوعية من الأغذية.
وتقول لـ"الاقتصادية"، إن "هناك نوعا من التحايل تقوم به تلك الشركات عبر كتابة عديد من التعبيرات على العبوات لا يفهمها إلا المتخصصون، ولكنها تبدو للمستهلك العادي وكأنها دليل على الطابع الصحي لهذا المنتج وهذا في الأغلب غير حقيقي".
وتضيف "حتى مع وجود الضغط الحكومي لتقليل المنتجات الغذائية غير الصحية، فإن الشركات المنتجة للأغذية السريعة تتظاهر بأنها تريد صنع منتجات أكثر صحية، عبر خفض بعض المكونات الضارة، لكنها لا تحدث تغيرا جذريا في طبيعة المنتج.
بالطبع تجد وجهة النظر تلك رفضا تاما من قبل آر. إل. جاك خبير التسويق في عدد من شركات المشروبات الغازية والأطعمة السريعة في المملكة المتحدة. ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "تحميل شركات الأغذية والوجبات السريعة مسؤولية كل ضرر صحي في العالم منهج غير علمي، ويتضمن نفيا غير دقيق أو واقعي للتطورات والتغيرات التي شهدتها تلك الصناعة وطبيعة منتجاتها في الأعوام العشرة الأخيرة، وتمت جميعها وفقا لتوجيهات خبراء الأغذية والأطباء لضمان أن يكون المنتج النهائي صحيا لأعلى درجة ممكنة".
ويعتقد جاك أن نجاح صناعة الوجبات السريعة يعود إلى ما تتسم به من حيوية تتجلى في الديناميكيات المتغيرة في الصناعة، عبر متابعة التغيرات في أذواق المستهلكين وتفضيلاتهم، ومواصلة الابتكار في قوائم الطعام والعمل على تزويد المستهلك بمجموعة متنوعة من البدائل، وتوفير أكبر عدد من المطاعم وشاحنات الوجبات السريعة، ومواكبة الطلب المتزايد على منتجاتها عبر الإنترنت، مبينا أن كل هذا يسهم في شعبية تلك المنتجات، التي تعمل على إدخال المشروبات منخفضة أو عديمة السعرات والمنتجات الخالية من الجلوتين وما إلى ذلك إلى قوائمها الغذائية لضمان حماية صحة المستهلك.
ويضيف، "لكن أحد أبرز التساؤلات المتعلقة بمستقبل الأطعمة السريعة يتعلق بأداء الصناعة في ظل تفشي وباء كورونا على المستوى العالمي، وربما يتمثل التأثير السلبي في أن الصناعة قامت بتسريح العديد من العمل بسب الانخفاض المفاجئ في الطلب، إذ أدى البقاء في المنزل نتيجة سياسات الإغلاق إلى مزيد من الاعتماد على الوجبات المنزلية، ومن ثم يتوقع أن تؤثر تلك التطورات بشكل ملحوظ في المشهد الكلي للصناعة ومعدلات النمو التي كان من المرجح تحقيقها قبل ظهور الوباء، حيث تشير بعض التقارير المبدئية إلى احتمال تراجع الإيرادات المتوقعة للصناعة هذا العام بشكل حاد بسبب انخفاض الطلب".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية