FINANCIAL TIMES

تركيا الأردوغانية .. صعود البيرق الصاروخي وسقوطه العجيب

تركيا الأردوغانية .. صعود البيرق الصاروخي وسقوطه العجيب

تراجع الليرة الحاد أضعف القدرة الشرائية للأتراك وترك الأسواق في حالة من الركود.

تركيا الأردوغانية .. صعود البيرق الصاروخي وسقوطه العجيب

براءة البيرق

تركيا الأردوغانية .. صعود البيرق الصاروخي وسقوطه العجيب

عبد الله جول

تركيا الأردوغانية .. صعود البيرق الصاروخي وسقوطه العجيب

أحمد داؤود أوغلو

تركيا الأردوغانية .. صعود البيرق الصاروخي وسقوطه العجيب

علي بابا جان

عندما سئل براءة البيرق في وقت سابق من هذا العام عن علاقته مع والد زوجته، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان وزير المالية الشاب مفرطا في إظهار عواطفه. قال لمحطة تلفزيون تي آر تي الحكومية إن علاقتهما ليست حول السياسة، مضيفا: "العلاقة تدور حول مثل أعلى، حول الروح".
بعد ستة أشهر من ذلك، بعد استقالته المفاجئة في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، يبدو أن هذه العلاقة – ومهنة البيرق السياسية – قد دمرت تماما. الآن يجد هذا الرجل البالغ من العمر 42 عاما نفسه عاطلا عن العمل.
الرحيل المفاجئ لثاني أقوى رجل في الحكومة التركية أحدث هزة في الإدارة الاقتصادية للبلاد بعد شهور من القلق المتزايد بشأن انخفاض الليرة وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية. كما أذهل النخبة السياسية في تركيا، التي اعتقد كثير من أفرادها أن أردوغان كان يهيئ صهره المؤثر، والمكروه على نطاق واسع، ليكون وريثه السياسي في حزب العدالة والتنمية. قال عضو برلماني سابق في الحزب: "إذا كنت عضوا في البرلمان من الحزب الحاكم، فإن البيرق يمثل السلطة المطلقة. لقد كان الكل في الكل. الآن هو غير موجود. انتهى".
صعود البيرق الصاروخي – وسقوطه العجيب – هو قصة عن كيفية تغير تركيا في عهد أردوغان بقدر ما هي قصة عن الرجل نفسه. يقول دارون عاصم أوغلو، وهو أستاذ تركي المولد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف المشارك لكتاب "لماذا تفشل الأمم": "هذا أمر معهود تماما في أي دولة استبدادية. بسبب منصب والد زوجته، كان قادرا على أن يكون مؤثرا للغاية وأن يبني فريقا حوله يتصرف بشكل مستقل ومدمر للغاية. هذه أشياء لا ينبغي أن تكون لدى أي شخص في الديمقراطيات الناجحة".
حقيقة أن البلاد تعاني انهيارا حكوميا هي أيضا دراما عائلية، ومصدر للغضب والعار بالنسبة لبعض الذين عملوا في الماضي جنبا إلى جنب مع أردوغان – وإشارة، كما يقولون، إلى كيفية تغير البلاد خلال وجوده في دفة القيادة.
يقول مسؤول حكومي سابق: "في الديمقراطيات العادية، يتحدث الجميع عن الخلافات الوزارية والنضالات السياسية والصراعات الحزبية. لكن ما يحدث هنا هو أننا نناقش شؤونا عائلية. أي دولة نحن؟".
أردوغان شخص شعبوي ومشبوب بالعاطفة يحكم تركيا التي يبلغ عدد سكانها 83 مليون نسمة منذ نحو 20 عاما في الوقت الذي أخذها فيه على طريق سلطوي بشكل متزايد. صعود صهره حدث بالتوازي مع تعزيز مطرد للسلطة من قبل الزعيم التركي. في الأعوام الأولى كان حزب العدالة والتنمية، الذي شارك أردوغان في تأسيسه في 2001، يمثل وجهات نظر واسعة. على الرغم من أن جذور العمدة السابق لإسطنبول كانت في السياسة الإسلامية، إلا أنه سعى إلى تقديم حزبه على أنه تعددي، ومؤيد لأوروبا، وصديق للأعمال من خلال جذب مسؤولي الحزب وأعضاء البرلمان من جميع أنحاء المجتمع التركي.
حزب العدالة والتنمية، الذي أطاح بالنظام القديم عندما فاز بأغلبية مطلقة في انتخابات 2002، لم يكن قط موضع ثقة من قبل بعض العلمانيين واليساريين في تركيا. لكنه حظي بتأييد الطبقات الدنيا الفقيرة والمحافظة في البلاد، جزئيا عن طريق رفع الحظر على ارتداء الحجاب الذي كان يمنع الشابات المسلمات الملتزمات من الالتحاق بالجامعة. وقد نال استحسان الناخبين الأكراد من خلال تخفيف القيود المفروضة على استخدام اللغة الكردية، ثم إطلاق محادثات لإنهاء عقود طويلة من الصراع بين الدولة التركية والمسلحين الأكراد. ازدهر الاقتصاد، واستثمر حزب العدالة والتنمية في البنية التحتية، وأصلح نظام الرعاية الصحية في البلاد. بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر ذروة وصلت إلى 19 مليار دولار في 2007.
كان أفراد عائلة أردوغان مرئيين في هذا الوقت، وكانوا يرافقون رئيس الوزراء في رحلات أو يظهرون في المناسبات العامة. لكن لم يكن ينظر إليهم على أنهم جزء حيوي من صنع القرار الحكومي. يتذكر سوات كينكلي أوغلو، وهو نائب سابق عن الحزب الحاكم، أن أردوغان رفض تكهنات إعلامية قبل عشرة أعوام بأن ابنته الصغرى، سمية، يمكن أن تصبح مستشارة مدفوعة الأجر. يقول: "لم تكن تعجبه تلك التقارير الكاذبة. في ذلك الوقت، بدا مترددا في تعيين أفراد من عائلته في مثل هذه المناصب".
يشتكي مسؤولون سابقون كبار من حزب العدالة والتنمية من أن أسلوبه في القيادة تغير، في الوقت الذي أخذ يحقق فيه أردوغان سلسلة من الانتصارات الانتخابية ويواجه مجموعة من التهديدات لقبضته على السلطة. أصبح أكثر جرأة وأكثر ميلا للسيطرة وأقل استعدادا لإجراء مناقشات داخلية. بمرور الوقت، أصبحت هذه السمات متداخلة مع مشاعر العظمة والخوف. يقول شخص يعرفه منذ عقود: "كان هناك تطور بطيء في كل من الحزب وأردوغان".
في 2013، هزت البلاد احتجاجات ضخمة في حديقة جيزي، عندما خرج الملايين إلى الشوارع في جميع أنحاء تركيا وهم يهتفون "طيب، استقيل!". بعد أشهر استهدفت الدائرة المقربة من أردوغان بتحقيق فساد قاده حلفاء سابقون انقلبوا ضده. رئيس الوزراء، الذي كان يخشى منذ فترة طويلة العسكر الأتراك و"الدولة العميقة" سيئة السمعة في البلاد، وصفها بأنها "محاولة انقلاب" وأخذ يزداد اقتناعا بأنه محاصر من تحالف غامض من الأعداء المحليين والدوليين. ويضيف الصديق القديم: "أعتقد أنه أصبح يرى أخيرا أنه لا يوجد أحد يثق به سوى عائلته".
في الأعوام التي تلت ذلك، تم تهميش، أو استقالة كثير من الحلفاء القدامى الذين شغلوا مناصب حكومية عليا. عبد الله جول، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الذي شغل منصب رئيس الجمهورية حتى 2014، تراجع بعد أن تولى أردوغان المنصب. علي باباجان، الذي أدار الاقتصاد في أوج ازدهاره في العقد الأول من القرن الحالي وقاد مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ترك مجلس الوزراء في 2015. واستقال أحمد داود أوغلو، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لمدة عامين، في 2016 بعد صدام مع الرئيس. محمد شيمشك، مصرفي سابق في ميريل لينش ويحظى بالاحترام، كافح ضد رغبات أردوغان حين كان نائبا لرئيس الوزراء، ترك السياسة بعد ذلك بعامين.
كثير من هؤلاء كانوا معروفين بأنهم يتحدثون عن آرائهم مع أردوغان وشكلوا ثقلا موازنا داخل حزب العدالة والتنمية. من دونهم، أصبح الرئيس نفسه يشغل دورا مركزيا أكبر وأكبر في الحزب والدولة. تعاظم هذا بعد اللحظة الحاسمة، المتمثلة في محاولة انقلابية عنيفة في تموز (يوليو) 2016 حصدت خلالها الدبابات المدنيين وألقت طائرات مقاتلة قنابل بالقرب من القصر الرئاسي في الوقت الذي سعى فيه فصيل مارق داخل الجيش للإطاحة به بالقوة.
أدى هذا الانقلاب الفاشل إلى سلسلة من الأحداث التي سمحت للزعيم التركي بإنشاء نظام رئاسي جديد منحه سلطات غير مسبوقة. كما عجل بتفريغ وتسييس المؤسسات الوطنية، ويرجع ذلك جزئيا إلى عملية تطهير واسعة أدت إلى سجن 95 ألف شخص وإقالة أو تعليق خدمة ما لا يقل عن 130 ألف شخص. كما تم اعتقال مئات من الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان. وكذلك الحال بالنسبة لزعيمين في حزب المعارضة الكردي الرئيس في البلاد، حيث تعاون أردوغان مع حزب الحركة القومية اليميني، المتشدد بشأن القضية الكردية.
اليوم، المراتب العليا في الدولة التركية مليئة بالموالين، وكثير منهم تربطهم صلات شخصية وثيقة بحزب العدالة والتنمية. اختفى النقاد الداخليون إلى حد كبير، تاركين الرئيس محاطا برجال "يبصمون" وغريبي الأطوار. اشتهر أحد المستشارين الاقتصاديين للرئيس، يجيت بولوت، بقوله إنه يعتقد أن أعداء لم يكشف عن هويتهم يسعون لقتل الرئيس باستخدام التحريك الذهني عن بعد. وتعهد آخر، وهو جميل إرتيم، في 2018 بأن يفعل "العكس تماما" لنصيحة صندوق النقد الدولي. يأسف مسؤول حكومي بقوله: "مستشاروه أغبياء. نحن بحاجة إلى أردوغان. لكن ينبغي أن يترك بعض القرارات الفنية للأشخاص الذين يعرفون ما يفعلونه".
يشتهر الرئيس نفسه باعتقاده، خلافا للتفكير الاقتصادي السائد، أن أسعار الفائدة العالية تسبب التضخم بدلا من العمل على كبحه، ويصفها بأنها على "أم وأب كل الشرور". ولطالما انتقد ما يسميه "لوبي أسعار الفائدة"، وهي مجموعة غامضة من المضاربين الذين يعتقد أنهم يسعون إلى خنق آفاق النمو في تركيا لتحقيق مكاسب مالية خاصة بهم.
في ظل هذه الخلفية، تم تعيين البيرق، الذي تزوج ابنة أردوغان، إسراء، في 2004، مسؤولا عن الاقتصاد الـ19 في العالم في 2018. كان عمره في ذلك الوقت 40 عاما فقط. كانت أحزاب المعارضة تشير إلى ربيب الرئيس بشكل ساخر على أنه damat – تعني الصهر أو العريس – وتعتبر أنه أكبر مثال على محسوبية الأقارب في حزب العدالة والتنمية. واشتكى مستثمرون أجانب من أنه يفتقر إلى الخبرة اللازمة للمنصب. الجمهور الأوسع لم يشعر بالارتياح له قط. حتى داخل الحزب الحاكم، شعر كثيرون بالغضب من السلطة والشهرة التي حققها هذا الرجل الذي تربطه صلات عائلية بمركز السياسة التركية.
مع ذلك، بدا أن والد زوجته كان يقدره كثيرا. أحب أردوغان فيه أنه يجيد اللغة الإنجليزية وحصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة بيس في نيويورك. الأهم من ذلك أنه كان أحد أفراد العائلة الذي يمكنه الوثوق به. يبدو أن قرار منح هذه الأهمية لصهره كان مدفوعا، جزئيا على الأقل، بمسألة مستقبله وإرثه. لا يزال لدى الزعيم البالغ من العمر 66 عاما الملايين من المعجبين، الذين يكنون احتراما كبيرا لسلوك الرجل القوي وجهوده لتأكيد دور تركيا على المسرح العالمي. من الناحية النظرية، يمكن أن يشغل منصب الرئيس حتى 2033 إذا استمر في إيجاد طريقة للفوز بالانتخابات. لكن التأييد لحزبه بدأ يتآكل تدريجيا منذ ذروته الانتخابية في 2011.
يعتقد معظم المحللين أن أردوغان يريد الاستمرار لأطول فترة ممكنة، مدفوعا جزئيا بإحساس عميق بالهدف الأيديولوجي، لكن أيضا بالخوف من فقدان السلطة – واحتمال تعرضه للانتقام بعد ترك منصبه. على الرغم من أنه من المستبعد أن يتمكن البيرق، الذي يفتقر إلى الكاريزما القوية التي يتمتع بها والد زوجته، من تولي زمام الأمور بنجاح، إلا أن هذا الخوف يفسر سبب اعتقاد كثير من المراقبين السياسيين في فكرة أن الرئيس كان يعده ليكون جزءا من خطة لتسليم السلطة. يقول سينم أدار، وهو باحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: "شرعية أردوغان ونظامه تضعف وأصبحت مسألة الخلافة بارزة للغاية. المزيد والمزيد من الناس يتحدثون عن عالم ما بعد أردوغان".
البيرق – الذي كان والده كاتبا ومفكرا إسلاميا يعرف أردوغان منذ عقود – دخل البرلمان في 2015 وانضم إلى مجلس الوزراء في العام نفسه. كانت حقيبته الأولى هي الطاقة، لكنه رفض منذ البداية السماح لنفسه بأن يكون مقيدا بمحفظة رسمية. قال مسؤول سابق إن البيرق كان "طموحا جدا جدا". هذا الشخص الذي كان في السابق تنفيذيا في إحدى الشركات، أنشأ نفوذا هائلا عبر الحكومة وخارجها، من السياسة الخارجية إلى القضاء إلى وسائل الإعلام. اشتكى مسؤول حكومي العام الماضي: "إنه مثل الأخطبوط. مخالبه في كل مكان".
كذلك عمل على تعيين موالين له في مناصب رئيسة في الدولة وجهاز حزب العدالة والتنمية وكان يصطدم كثيرا بزملائه في الحكومة، بما في ذلك وزير الداخلية مفتول العضلات في البلاد، سليمان صويلو، الذي كان ينظر إليه على أنه المنافس الرئيس لوزير المالية على رئاسة الحزب يوما ما.
كان يعتقد على نطاق واسع أن البيرق وشقيقه الأكبر، سرحات، مرتبطان بمجموعة من المهاجمين الشرسين على وسائل التواصل الاجتماعي المعروفين باسم "مجموعة البجع" التي كانت تشن هجمات منسقة على معارضي البيرق والرئيس وحلفائهما. وقد وصفه أيدين أونال، وهو عضو سابق في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، بأنه هيكل مواز "خبيث" داخل الحزب الحاكم "يصف كل تحذير ودي بأنه خيانة ويعيق أي صوت مختلف". ولم يرد البيرق على أسئلة حول صلاته المزعومة بالمجموعة ومواضيع أخرى.
المحامون بالنيابة عن الوزير، الذي قضى والده تسعة أشهر في سجن سيليفري سيئ السمعة بسبب كتاباته في أوائل الثمانينيات، ردوا بقسوة على الصحافيين الذين أبلغوا عن مزاعم بالفساد والتهرب الضريبي ضده وضد الشركة التي كان يرأسها. هذه الادعاءات كان ينفيها البيرق.
طوال فترة وجوده في الحكومة، واجه الوزير الشاب اتهامات بالغطرسة والشعور الجامح بالاستحقاق. يقول رجل أعمال قوي له علاقة وثيقة بالرئيس: "إنه شخص صعب للغاية" – لكنه لم ينسجم قط مع زوج ابنته. "هو يعتقد أنه يعرف كل شيء".
مثل كثيرين من قبله، كانت تلك الغطرسة هي سبب سقوطه. يقول أحد المسؤولين الحكوميين: "لو بقي في وزارة الطاقة، لكان الآن بطلا"، مشيرا إلى أن اكتشاف تركيا هذا العام لاحتياطي غاز بمليارات الدولارات في البحر الأسود كان سيكون انتصارا للبيرق خلال عمله كوزير للطاقة. "كان من الممكن أن يكون الرجل الذي ابتكر ونفذ سياسة استقلال الطاقة هذه".
لكن البيرق أراد إدارة اقتصاد البلاد. في تموز يوليو 2018، بعد أن تولى أردوغان قيادة نظامه الرئاسي الجديد، أذهل المجتمع المالي الدولي من خلال تحقيق رغبة صهره، جين دمج وزارتي المالية والخزانة وكلف البيرق بالحقيبة المشتركة. هبطت الليرة 3.8 في المائة بعد إذاعة الخبر. مستثمر أجنبي التقى البيرق خلال الأسابيع الأولى وصف اللقاء بأنه "أسوأ اجتماع مع وزير مالية في حياتي المهنية".
فترة العامين التي قضاها في هذه الوظيفة شابتها الأزمات واتسمت بأساليب غير تقليدية، بل وحتى قسرية لإدارة الاقتصاد.
بعد أن تسبب انخفاض عجيب في قيمة الليرة في آب (أغسطس) 2018 في ارتفاع التضخم، أعلن عن حملة تطالب شركات التجزئة بالإبقاء على أسعارها دون زيادة. وتدخل في إدارة البنوك الخاصة، وفقا لعدد من المصرفيين السابقين، وضغط عليها للإقراض من أجل دعم حملة للنمو الاقتصادي المدفوع بالائتمان وكان يتدخل في تعيين العاملين فيها وفصلهم. وتحت إشرافه فرضت السلطات قيودا على تداول العملة – ما أدى إلى خروج المستثمرين الأجانب المهمين من الأسهم والسندات التركية في الوقت الذي أعلن فيه البيرق أنه لا يريد "أموالهم سريعة الحركة بهدف تعظيم المكاسب".
كانت السياسة الأكثر إثارة للجدل هي نهجه في إدارة الليرة. في 2019، شرع البنك المركزي في حملة لخفض أسعار الفائدة. كان البنك يتصرف بأوامر من البيرق والرئيس، الذي أقال محافظ البنك في تموز (يوليو) لأنه "لم يكن يتبع التعليمات". حذر خبراء من أنه إذا تماديا في سلوكهما، فسيؤدي ذلك إلى ضغط جديد على العملة وإلى الحاجة إلى زيادة أسعار الفائدة مرة أخرى. لكن بدلا من وقف أو عكس مسار تخفيضات أسعار الفائدة، شرع البيرق في تحدي قوانين الاقتصاد. ومع تعرض الليرة للضغط، بدأ البنك المركزي في حرق عشرات المليارات من الدولارات من احتياطيات العملات الأجنبية. يقول مسؤول سابق مطلع على الإجراءات الداخلية للمخطط: "كانت كلها فكرة البيرق".
في أيلول (سبتمبر) من هذا العام، دقت وكالة موديز للتصنيف الائتماني ناقوس الخطر، محذرة من أن احتياطيات العملات الأجنبية في البلاد عند أدنى مستوى لها منذ 20 عاما وأن مؤسساتها بدت إما "غير راغبة أو غير قادرة" على اتخاذ الخطوات اللازمة لتجنب حدوث أزمة كاملة. يقدر بنك جولدمان ساكس أن تركيا أنفقت خلال العامين الماضيين 140 مليار دولار على التدخل في العملة. لكن المبادرة فشلت في النهاية. منذ آب (أغسطس) فصاعدا تراجعت الليرة في سلسلة متتالية من الانخفاضات القياسية. بحلول أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت قد خسرت 30 في المائة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام، ما زاد الضغط على الشركات التركية المثقلة بالديون بالعملات الأجنبية وأدى إلى ارتفاع التضخم في دولة تعتمد بشدة على السلع المستوردة.
لكن حتى مع تزايد قلق الاقتصاديين والمستثمرين والشخصيات داخل حزب العدالة والتنمية، استمر البيرق في الإصرار على أن كل شيء على ما يرام. وجادل بأن الليرة الأرخص، التي فقدت 46 في المائة من قيمتها مقابل الدولار خلال 28 شهرا من توليه منصب وزير المالية، ستجعل البلاد أكثر قدرة على المنافسة وتدعم التحول نحو أنموذج اقتصادي يركز على التصدير.
ورد منتقدوه بالقول إن الناس العاديين يدفعون ثمنا باهظا، مع ارتفاع في معدلات البطالة وانخفاض مستويات المعيشة. انخفضت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى تسعة آلاف دولار العام الماضي، بعد أن كانت 12500 دولار في 2013. حزب العدالة والتنمية، بعد أن أنشأ الكثير من نجاحه المبكر على خلفية ازدهار اقتصادي متزايد، عانى عواقب التراجع. في الانتخابات المحلية العام الماضي، فقد السيطرة على العاصمة، أنقرة، وإسطنبول حيث بدأ أردوغان حياته السياسية. ألقى كثير من أعضاء الحزب باللوم على البيرق في قرار كارثي بإعادة إجراء انتخابات إسطنبول، الذي أدى إلى نتائج عكسية عندما فاز مرشح المعارضة بأغلبية ساحقة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES