شراء انتقائي يدفع ثلث أدوات الدين السعودية لتحقيق مكاسب تصل إلى 34.8 % بنهاية الربع الثالث

شراء انتقائي يدفع ثلث أدوات الدين السعودية لتحقيق مكاسب تصل إلى 34.8 % بنهاية الربع الثالث

أسهم شراء "انتقائي" من شركات إدارة الأصول الدولية على الدول صاحبة الجدارة الائتمانية العالية بدفع ثلث أدوات الدخل الثابت السيادية للحكومة السعودية لتحقيق مكاسب رأسمالية في نطاق 17 في المائة إلى 34.8 في المائة، خلال التداولات الدولية عليها بنهاية الربع الثالث، وذلك على الرغم من تقلبات السوق الخاصة بأسواق الدين بالأسواق الناشئة.
ووفقا لرصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، تعادل تلك الارتفاعات في أسعار سبعة سندات مدرجة 33 في المائة من إجمالي أدوات الدين الدولارية لحكومة المملكة البالغ تعدادها 21 (سندات وصكوك)، وبذلك تحافظ أغلبية أدوات الدين الحكومية السعودية على مستوياتها، التي سجلتها خلال شهري أغسطس وسبتمبر.
وفي الإطار ذاته، لفتت مذكرة بحثية لبنك آي.ان.جي جروب الهولندي انتباه مستثمري أسواق الدخل الثابت العالميين بكيفية معاكسة أدوات الدين السيادية للرياض وأبوظبي موجة التراجع لسندات الأسواق الناشئة خلال شهر سبتمبر، ويرجع ذلك إلى انتقائية المستثمرين الدوليين لما يرونه بمنزلة الأصول الآمنة في الأسواق الناشئة.
ورفع المستثمرون الدوليون شعار الانتقائية مع الإصدارات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا بعد تراجع مؤشرات قياس أداء سندات الأسواق الناشئة للمرة الأولى منذ خمسة أشهر أي بنهاية سبتمبر.
وخلال منتصف مارس من هذا العام، سجلت أغلبية إصدارات أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة قيعانا جديدة بفعل الاضطراب العالمي، الذي ضرب أسواق الدخل الثابت بالأسواق الناشئة من جراء جائحة كوفيد - 19.
وعجل المصدرون الخليجيون من زخم إصداراتهم خلال الربع الثالث بسبب غموض ردة فعل السوق على نتائج الانتخابات الأمريكية وموجة ثانية محتملة لكورونا، وتعد تلك الاستراتيجية متوافقة مع نظرائهم من مصدري الأسواق الصاعدة والمتقدمة.
وشهد الربع الثالث إصابة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفيروس كورونا، الأمر الذي أوجب على كل جهة إصدار خليجية تقييم وقت إصدارها المحتمل مع مستشاريها بشكل أسبوعي، وذلك حتى توفر نافذة إصدار سانحة.

تقييم الأداء
وأظهر رصد "الاقتصادية"، الذي ارتكز على بيانات أولية لـ"بوند إي فاليو"، أن إقبال المستثمرين المؤسسيين الدوليين دفع بثلث أدوات الدين السيادية للحكومة السعودية لكي تتداول فوق 117 سنتا للدولار بنهاية الربع الثالث، محققة مكاسب رأسمالية في نطاق17 في المائة إلى 34.8 في المائة، مقارنة بقيمتها الاسمية، بل إن استحقاق 2050 لسندات المملكة حقق مكاسب رأسمالية تفوق الثلث بلغت 34.8 في المائة خلال التداولات الدولية عليه.
وانعكس العائد الحالي، الذي أصبح يعده بعضهم مرتفعا في ظل دخول الأسواق الدولية لمرحلة الفائدة المتدنية، بشكل إيجابي على الإصدارات السعودية وبالأخص جميع السندات الثلاثينية والأربعينية في الأسواق الدولية التي تتصدر المراتب الخمس الأولى من حيث أعلى سعر خلال التداولات الدولية عليها.
وإجمالي أدوات الدين الدولارية، التي شملها الرصد 21 أداة بينها أربعة صكوك صادرة عن حكومة المملكة وجميعها تم تداولها بنهاية سبتمبر فوق قيمتها الاسمية.
وفي حين سجل استحقاق 2050 أعلى سعر عند 134.8 سنت للدولار، جاء أدنى سعر من استحقاق 2021 الذي يتداول عند مستويات 101.6 سنت للدولار بارتفاع بمقدار 1.6 في المائة من القيمة الاسمية.
وأشار رصد الصحيفة إلى أن جميع الإصدارات الدولية الأربعة للصكوك الخاصة بالسعودية حققت مكاسب لمستثمريها بنهاية أغسطس وتتداول في نطاق بين 103 إلى 116 سنتا للدولار فوق القيمة الاسمية.
وعكس التباطؤ الحاد في إصدار الصكوك على النطاق الدولي في شهري مارس وأبريل، التقلبات الأوسع نطاقا في الأسواق المالية مع انتشار الوباء في كل أنحاء العالم، وكان لذلك تأثير أكبر في سوق الصكوك منه في سوق السندات التقليدية، حيث إن الأول مركز للغاية وأصغر بكثير وأقل سيولة من غيره، بحسب تقرير لوكالة فيتش في يوليو 2020.

إدارة الصناديق ومؤشرات قياس الأداء
ومعلوم أن المستثمرين في سوق السندات والصكوك، وكذلك شركات إدارة الأصول يستعينون بما يعرف بـ "مؤشرات قياس الأداء" من أجل، مقارنة أداء تلك الأدوات الاستثمارية، وفقا لمنطقة جغرافية محددة أو قطاع معين.
ومن المتعارف عليه مع شركات إدارات الأصول، فإن هناك مؤشر قياس لكل فئة من الأصول الاستثمارية، وذلك لكي يقيس مدير الصندوق الأداء السنوي للصندوق مع مؤشر القياس، الذي يسترشد به، حيث يتم الطلب من مديري الأصول، الذين يتولون إدارة صناديق الدخل الثابت بأن يحققوا عائدا قريبا من المؤشر، الذي يتبعونه.
والغاية من ذلك تكمن في مساعدة المستثمر بتلك الصناديق من قياس أرباح أو خسائر الصندوق، وفقا لمؤشر قياس يعتد به.
ويعد مؤشر بلومبيرج باركليز أحد المزودين الثلاثة الرئيسين لمؤشرات السندات في العالم وتتبع أداءه صناديق السندات العالمية. وكان مؤشر بلومبيرج باركليز من أوائل المؤشرات العالمية، التي أدرجت سندات وصكوك الحكومة السعودية ضمن مؤشراته.

أهمية مؤشرات قياس الأداء
وانضمت السعودية بنهاية سبتمبر من 2019 لمؤشرات جي بي مورجان لسندات الأسواق الناشئة، التي كان انضمامها لها تدريجيا على مدى أول تسعة أشهر من 2019. وبذلك أصبحت الديون السيادية للمملكة (المقومة بالعملات الصعبة) جزءا لا يتجزأ من محافظ شركات إدارة الأصول العالمية (سواء الخاملة منها أو النشطة).
وأهم تلك المؤشرات هو مؤشر سندات الأسواق الناشئة العالمي المتنوع EMBI GD، الذي تندرج تحته أدوات دين بقيمة اسمية تصل لأكثر من 300.2 مليار دولار، والذي يصل فيه وزن أدوات الدين السعودية إلى 3.30 في المائة وتحتل فيه المملكة المرتبة الخامسة من بين 72 دولة من الأسواق الصاعدة.
وبحسب البيانات غير المحدثة في أوائل 2019، تصل حصة أدوات الدين السيادية للمملكة بين 3.30 في المائة إلى 8.66 في المائة من إجمالي أوزان الدول الأخرى التي بتك المؤشرات.
في حين تصل حصة منطقة الخليج في مؤشرات السندات الأربعة، وفقا لحسابات الصحيفة، بين 13.88 في المائة إلى 17.94 في المائة .
ويتضح من الوثيقة الثقل الواضح للسعودية في مؤشرات الأسواق الناشئة لأدوات الدخل الثابت، حيث تصدرت السعودية بين رابع إلى خامس أضخم جهة إصدار تم تضمين أدوات الدين الصادرة منها ضمن المؤشرات الأربعة، التي تتبع أدوات الدخل الثابت القادمة من الأسواق الصاعدة، لتأتي بعدها روسيا في بعض الحالات، وتصدر المراتب الثلاث الأولى المكسيك والصين وإندونيسيا.
ومن المرجح أن أوزان أدوات الدين للسعودية والخليج أن تكون أعلى من تلك الأرقام، وذلك لكون دول المنطقة إضافة للشركات الحكومية المؤهلة للانضمام لتلك المؤشرات قد أصدرت أدوات دين جديدة منذ أوائل 2019.
وتعذر الحصول على آخر تحديد صادر من الجهة المشغلة لمؤشرات "جي بي مورجان"، وذلك لكون تلك التحديثات توجه لمديري الأصول الذين يستخدمون مؤشراتها.

الانضمام لم يكن سهلا
تاريخيا، دائما ما عانت أدوات الدخل الثابت عدم حصولها على التقدير اللازم كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة.
ونتج عن ذلك عدم وجود نوعية الأصول تلك في معظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة بالاستثمار في الأسواق الناشئة، إلا أن الأمر برمته بدأ في التغير تدريجيا مع نهاية يناير 2019 عندما شرعت مؤشرات "جي بي مورجان" في إضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة، التي تتبع أداءها الصناديق المتخصصة بأدوات الدخل الثابت.
إلا أن عملية الانضمام لهذا المؤشر قد تأخرت بشكل كبير، ويعود ذلك إلى وجود معيار صارم يفيد بأن دول الخليج تقع في مرتبة عالية جدا على مؤشر البنك الدولي لتصنيف الدخول المرتفعة تتجاوز المعايير العادية، التي تؤهل للإدراج في مؤشر الأسواق الناشئة (وهو أن يكون دخل الفرد أقل من 20 ألف دولار)، ودخل الفرد في الإمارات يصل إلى 40 ألف دولار، مقارنة بعشرة آلاف دولار في البرازيل.
بيد أنه تم إيجاد منهجية أخرى تسمح لدول الخليج أن تكون ضمن تصنيف الأسواق الناشئة مثل "نسب تعادل القوة الشرائية"، التي يستخدمها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمقارنة بين ثروات مختلف الدول، وهذا المؤشر يمكن استخدامه في بعض الأحيان لمقارنة مستويات المعيشة بين بلدين أو أكثر، وهذا المعيار يستخدم أيضا لقياس تكلفة شراء سلة سلع مماثلة لعملات دول أخرى بالأسواق الناشئة.
وبالنسبة للصكوك، فإن الأنظمة الداخلية للمؤشرات تسمح باختيار الصكوك الصادرة من جهات الإصدار المؤهلة، وذلك شريطة أن تكون الصكوك حاصلة على تصنيف ائتماني من إحدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية وتاريخيا تم إضافة الصكوك للمؤشر منذ أواخر 2016.

ماهية تسعير أدوات الدين
ويتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس، وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية. حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية. فعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين.
أول هذين العاملين هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار وثانيهما هو معدلات مؤشر القياس وذلك، وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس" يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الإسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.

تعزيز كفاءات إدارات الخزانة
ومع انضمام مصدرين خليجيين جدد لأسواق الدين، بات ظاهرا استعانة تلك الشركات العملاقة بمصرفيين سابقين بأسواق الدخل الثابت، وذلك من أجل تعزيز إدارات الخزانة، التي تتولى في العادة ملف الاستدانة.
ومن المنتظر أن تسهم تلك الظاهرة الحديثة في إحداث وفرة بتكلفة الإصدار والاقتراض (بحكم خبرة تلك الكفاءات في تسعير تلك الأوراق المالية)، ولا سيما تلك الكيانات، التي لديها احتياجات تمويلية ضخمة.
والبنوك المرتبة للإصدار تتنوع تخصصاتها: فمنها من يمتلك فريق أسواق دين متمكنا يعرف كيف يغلق مثل هذه الإصدارات، إلا أن هذه البنوك الاستثمارية تفتقر إلى الودائع المليارية الفائضة، التي يمكن تسخيرها لمصلحة شراء جزء من الإصدار.
وهنا يأتي دور البنوك التجارية الخليجية، التي تمتلك هذه الميزة، ولكن تفتقد لخبرة أسواق الدين، ولا يعني بالضرورة تفويض عديد من البنوك لترتيب إصدار سندات أن رسوم الإصدار ستكون مرتفعة على جهة الإصدار، حيث إن رسوم ترتيب الإصدار ستكون هي نفسها، ولكن حصص البنوك ستكون منخفضة، ويراوح معدل عدد البنوك المرتبة لإصدارات السندات الدولارية بين 6.5 إلى 4.6.
يذكر أن بعض البنوك مستعدة لتقديم التنازلات مع الرسوم من أجل أن تتصدر جدول ترتيب البنوك الأكثر طلبا من حيث ترتيب إصدارات أدوات الدين (وهذه الاستراتيجية تجلب عملاء جددا).
ويصل معدل رسوم ترتيب إصدار أدوات الدين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 0.7 في المائة للسندات ذات الدرجة الاستثمارية العالية، أي إذا كان قيمة الإصدار مليارا، فإن جهة الإصدار تدفع سبعة ملايين دولار للبنوك، في حين يصل معدل هذه الرسوم لسندات "الخردة" إلى 1.2 في المائة من إجمالي قيمة الإصدار.

وحدة التقارير الاقتصادية

الأكثر قراءة