Author

قمة العشرين وعمالقة التكنولوجيا

|
أستاذ جامعي ـ السويد
يعقد الفقراء من الدول في العالم الأمل على تخفيف أعباء الديون عليهم، ويضغط الأثرياء من عمالقة التكنولوجيا على زيادة ثرائهم.
وتتطلع الدول الأكثر فقرا في العالم إلى قمة قادة مجموعة العشرين في الرياض التي ستعقد يومي 21 و22 من هذا الشهر لجدولة ديونها الضخمة وفوائدها المتراكمة، إضافة إلى إعفاءات ملموسة لإعادة الحياة إلى اقتصاداتها المنهكة أصلا وقد زادتها الجائحة إنهاكا.
من ناحية أخرى، يبذل عمالقة التكنولوجيا جهودا حثيثة للإفلات مرة أخرى من فأس الضرائب الذي تشهره في وجههم دول أوروبا الغربية تقودهم فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا المشاركة في القمة.
هناك مفارقة كبيرة بين الطرفين: الفقير بين الدول، والمتخم بالثراء بين عمالقة التكنولوجيا، حيث يسعى الأول إلى تأمين لقمة العيش لشعبه، ويحارب الآخر لزيادة أرباحه ورفع قيمته السوقية والتملص من أي استحقاقات ضريبية.
هناك أكثر من 70 دولة في العالم تثقل كاهلها الديون ويعيش فيها أكثر من 140 مليون شخص في فقر مدقع يعزوه الخبراء إلى ما تفرضه أعباء استحقاقات الديون في هذه الدول من تقليص للإنفاق والاستثمار الذي بدوره يؤدي إلى البطالة والفقر.
وإن لم يتم تقديم يد العون لهذه الدول، فإن استحقاق ما يجب عليها أن تدفعه للمقرضين من الدول والبنوك الخاصة يقدر بـ345 مليار دولار في عام 2023.
المبلغ هذا قد لا يساوي نصف القيمة السوقية لأي عملاق من عمالقة التكنولوجيا الرقمية في الولايات المتحدة، ولكنه قد يعادل الدخل القومي لأكثر الدول فقرا مجتمعة.
هناك ثلاث شركات تكنولوجية حديثة في أمريكا تصل قيمتها السوقية إلى نحو 1500 مليار دولار. وهناك ثلاث شركات صينية تمس قيمتها نصف تريليون دولار وقد تزيد.
وقد ترى الولايات المتحدة والصين، ورغم شبه الحرب الاقتصادية التي تدور رحاها بينهما، أنه عليهما توحيد الجهود لمنع فرض أي ضرائب على عمل ونشاطات عمالقة التكنولوجيا خارج نطاق أراضي الدول التي تأسست فيها.
ستشهد القمة جدالا وصراعا حول المسألتين، رغم المفارقة الكبيرة بينهما من المنظور الإنساني، حيث لم نلحظ حتى الآن أن الدولة الأكثر غنى وثراء في العالم تدافع عن الدول الأكثر فقرا في العالم بمستوى دفاعها المستميت عن شركاتها التكنولوجية العملاقة كي تعمل بحرية ودون قيود ضريبية في أرجاء المعمورة.
من هنا تنبع أهمية قمة قادة العشرين هذا العام في السعودية للملفات الشائكة التي ستبحثها ودورها في مد يد العون للفقراء من الدول كي تقف على قدميها وهي تئن تحت وطء الجائحة، ومن ثم تقريب وجهات النظر لوضع حد لجشع عمالقة التكنولوجيا، وهي الشركات الخوارزمية الحديثة التي بالكاد يبلغ عمرها ثلاثة عقود.
الأخبار تبعث على بعض المسرة بخصوص تخفيف أعباء الديون عن الدول الفقيرة حيث اتفق وزراء المالية للدول التي تتألف منها مجموعة العشرين على رزمة من الإجراءات التي تنتظر موافقة القادة عليها في قمتهم في الرياض.
أما الصراع حول وضع عمالقة التكنولوجيا، وأغلبها شركات أمريكية، التي تكتسح العالم اليوم، وهي في منأى حتى الآن من تحمل ما تتحمله الشركات الوطنية في أوروبا مثلا من الضرائب، فسيكون حاميا حتما.
إلا أن أغلب الظن سيكون العمالقة هم الفائزين حيث تعمل الأروقة الدبلوماسية الأمريكية بشكل حثيث على درء أي خطر محدق بشركاتها الخوارزمية التي صارت مصدرا مهما من ثرائها وقوتها الاقتصادية وذراعا من أذرع نهج استخدام العقوبات سلاحا.
سيبذل زعماء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا جهدهم في القمة لوضع عمالقة التكنولوجيا الحديثة تحت مشرحة الضريبة على مستوى أوروبا في أقل تقدير، بيد أن مسعاهم قد لا يلقى النجاح أمام السد المنيع الذي أقامته الولايات المتحدة للدفاع عن شركاتها الخوارزمية العملاقة وعدم اكتراث الصين.
إنشرها