FINANCIAL TIMES

أزمة تركيا الاقتصادية تفجر بيت أردوغان من الداخل

أزمة تركيا الاقتصادية تفجر بيت أردوغان من الداخل

عندما نشر بيرات البيرق، وزير المالية والاقتصاد في تركيا، رسالة استقالة عاطفية على إنستجرام، الأحد، قال إنه يأمل أن يتمكن الآن من قضاء مزيد من الوقت مع "والدي وأمي وزوجتي وأولادي". 
لم تكن هناك سوى إشارة سريعة للرجل الذي جعله ثاني أقوى شخصية في الحكومة الذي يدين له بمسيرته السياسية: والد زوجته، الرئيس رجب طيب أردوغان.
تعاني تركيا أسبوعا من الدراما السياسية والعائلية العالية التي بدأت برحيل البيرق - لكن التي تنذر بأشهر من المشكلات الاقتصادية المتصاعدة وتراجع حر للعملة.
لكن قلة من الناس هم الذين سيحزنون على رجل جلب على نفسه استياء واسعا وصنع أعداء في جميع أنحاء الدولة التركية. قال مسؤول حكومي: "يشعر معظم الناس بالارتياح لرؤيته يرحل".
لم يكن البيرق (42 عاما) مسؤولا فقط عن إدارة اقتصاد يحتل المركز الـ19 على مستوى العالم. التنفيذي السابق في قطاع الأعمال، المتزوج من إسراء ابنة أردوغان، كان له نفوذ واسع عبر الحكومة وخارجها. ويعتقد كثيرون داخل حزب العدالة والتنمية أنه كان يخضع لعملية تهيئة وإعداد من قبل أردوغان ليكون وريثه السياسي.
يبدو الآن أن مستقبله في السياسة بات في طريق مسدود. قال أحد الزملاء السابقين مذهولا: "لا أعتقد أن أحدا كان يمكن أن يتخيل ما حدث". أَضاف: "لا يمكنه أبدا استعادة القوة التي كان يتمتع بها".
يبدو أن شرارة الانفجار السياسي والعائلي من الداخل كانت إدراكا مفاجئا من جانب الرئيس التركي للحالة الحقيقية لاقتصاد البلاد.
في الأسابيع الأخيرة واجه أردوغان ضغوطا متزايدة من داخل حزب العدالة والتنمية، الذي عانى في استطلاعات الرأي مع تداعيات جائحة فيروس كورونا وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدلات البطالة وتدهور قيمة الليرة.
أصر البيرق لأشهر على أن تركيا كانت تتفوق على الاقتصادات المنافسة وأنها في خضم تحول اقتصادي كبير. كرر ذلك عندما التقى نواب الحزب الحاكم الأسبوع الماضي، بحسب ما أفادت تقارير إعلامية تركية.
كذلك واصل القول إن العملة التي فقدت نحو ثلث قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام، ليست المعيار الوحيد الذي يجب استخدامه للحكم على صحة الاقتصاد.
لكن، وفقا لأشخاص داخل حزب العدالة والتنمية والحكومة، أدرك الرئيس أخيرا الوضع بعد أن تم إطلاعه على حجم الأزمة التي تواجه البلاد، ولا سيما الحالة الرهيبة للعملة الصعبة لدى البنك المركزي.
فبمجرد خصم الأموال المقترضة والمطلوبات الأخرى، تصبح احتياطيات العملات الأجنبية في منطقة سلبية للغاية ـ وضعتها بعض التقديرات عند ناقص 50 مليار دولار في نهاية أيلول (سبتمبر). وإلى حد كبير يرجع العجز الهائل إلى التدخل الفاشل لحماية العملة بقيادة البيرق، وهو تدخل كلف ما يقدر بـ140 مليار دولار على مدى العامين الماضيين.
يجد بعضهم أن من المستحيل تصديق أن أردوغان الذي يلتقي بشكل روتيني مع مجموعة كبيرة من الشخصيات التجارية، كان في الحقيقة غير مدرك لمدى سوء الأمور. لكن آخرين يصرون على أنه عزل عن الواقع نتيجة تهميش النقاد الداخليين وإحاطة نفسه بالموالين المتطرفين.
قال مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية: "عادة ما يتم إطلاع الرئيس من قبل صهره. لقد كان مشغولا للغاية عن الحصول على معلومات من مصادر أخرى". 
شخص آخر على صلة وثيقة بالحزب الحاكم، قال: "إنه أمر لا يصدق ولكنه معقول".
في وقت مبكر من السبت الماضي، أعلن إشعار نشر في الجريدة الرسمية التركية أن أردوغان أقال محافظ البنك المركزي.
استبدل به الرئيس ناجي إقبال، وهو حليف قديم ومنتقد لسياسات صهره – وهو أيضا الرجل الذي فتح عيني أردوغان على الصورة الاقتصادية الحقيقية، بينما كان يتحرك لإعادة تأكيد سيطرته على الاقتصاد.
رد البيرق بغضب. بعد نشر إشعار استقالته، الذي فاجأ حتى أقرب مساعديه، حذف حساباته على تويتر و إنستجرام واختفى عن الأنظار.
رافق رحيله تحول جذري في الخطاب. وعد أردوغان الأربعاء باستعادة "ثقة" المستثمرين. يخطط وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لجولة ترويجية في أوساط المستثمرين الدوليين لجذب رؤوس الأموال الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها. ارتفعت الليرة بشكل حاد ردا على ذلك.
يقول المشككون إن تركيا تواجه كثيرا من المشكلات السياسية والاقتصادية العميقة التي لن يتم حلها ببساطة من خلال التعيينات الجديدة واللغة الأكثر ملاءمة للسوق. سيظل أردوغان الذي لديه آراء غير تقليدية للغاية بشأن الاقتصاد، أقوى رجل في الحكومة.
لكن إذا استجاب البنك المركزي لتوقعات السوق من خلال الإعلان عن زيادة كبيرة في أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، فقد يساعد ذلك على جذب موجة الأموال الأجنبية اللازمة لسحب البلاد من حافة الهاوية.
ومع أن حالة الاقتصاد كانت مشكلة من صنع أردوغان إلى حد كبير، يقول محللون إنه أظهر الأسبوع الماضي أيضا قدرة على التكيف والبراجماتية لشخص سيطر على السياسة التركية على مدى عقدين من الزمن تقريبا.
قال كان سلجوقي، رئيس شركة إسطنبول إيكونوميكس ريسيرش: "كانت هناك تكلفة لوجود بيرات في هذا المنصب لأكثر من عامين، وتحمل أردوغان هذه التكلفة. لكن عندما أدرك بالفعل أن الاقتصاد سيقضي عليه، استدار بطريقة لم يتوقعها أحد".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES