Author

السمات الجديدة للسوق العقارية مستقبلا

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
استكمالا لما بدأ الحديث عنه في المقال السابق "تقلبات العقار خلال 2010 - 2020 .. ثم ماذا؟"، من حيث انتهى بالتركيز على أن الأعوام القليلة المقبلة، ستتسم خلالها السوق العقارية المحلية باتساع وتقدم الأعمال التنفيذية لتطبيق بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء الذي سينطلق معه بدء تنفيذ المرحلة الثانية من النظام في كل من الرياض وجدة والدمام خلال الربع الأول 2021، ولاحقا مكة المكرمة، وتشمل تلك المرحلة الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد ويزيد مجموع مساحتها على عشرة آلاف متر مربع، بينما سيبدأ العمل على تنفيذ المرحلة الأولى من النظام في 17 مدينة جديدة، سيتم البدء بتنفيذها في خمس مدن قبل نهاية العام الجاري: المدينة المنورة، أبها، خميس مشيط، الطائف، جيزان، واستكمال التنفيذ في بقية المدن الـ 12 الأخرى خلال العام المقبل، وتشمل المرحلة الأولى الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع الواقعة ضمن النطاق المحدد من وزارة الإسكان في كل مدينة.
يمكن القول: إن هذا هو العنوان الرئيس لمعالم الطريق الذي ستسير خلاله السوق العقارية المحلية خلال الفترة المقبلة، وتبرز أهميته القصوى في أنه سيدفع مرحليا إلى الزيادة المطردة في عروض الأراضي المطورة، وزيادة تشييد الوحدات السكنية الجديدة بمئات الآلاف منها، وتنوع تلك الوحدات حسب رغبات المستهلكين ووفقا لقدراتهم الشرائية، وشهرا بعد شهر عبر تملك عشرات الآلاف من المستهلكين لتلك الوحدات السكنية المتنوعة، سنشهد تناقصا مستمرا في أعداد قوائم الانتظار، الذي يعني أيضا تراجع قوة الطلب حتى وصولها إلى المعدلات الطبيعية، مع التذكير هنا أن في المقابل في جانب العرض سيستمر تصاعد ضخ الأراضي والوحدات السكنية الجديدة، وهو الأمر الذي سيقود السوق للوصول إلى مستويات أدنى بكثير على مستوى الفجوة بين العرض والطلب، وقد تتجاوزها السوق إلى مرحلة يفوق خلالها مخزون العرض حجم الطلب الحقيقي للمستهلكين، وهو ما يعني تحولا جذريا عما شهدته السوق طوال أكثر من عقدين من الزمن، لتعود إلى مرحلة سبقتها بعقد من الزمن، بدأت مع منتصف الثمانينيات الميلادية إلى منتصف التسعينيات الميلادية، فاق العرض خلال تلك الفترة حجم الطلب الحقيقي للمستهلكين، واستقرت أسعار الأراضي والمساكن حتى الإيجارات عند مستويات قريبة جدا من قدرات الدخل للأفراد، وهو يؤكده متوسط التضخم خلال الفترة 1984 - 2005 الذي لم يتجاوز 0.1 في المائة سنويا، ومتوسط التغير في الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن خلال الفترة نفسها بمعدل سلبي بلغ - 1.4 في المائة سنويا، مقارنة بارتفاع متوسط التضخم خلال الفترة 2006 - 2016 بمعدل 3.3 في المائة سنويا، ومتوسط التغير في الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن خلال الفترة نفسها بمعدل ارتفاع تجاوز 6.9 في المائة سنويا. إن من أهم ما سيحمله نشاط السوق العقارية المحلية في منظور الأعوام القليلة المقبلة، ووفقا للتحولات الجوهرية المشار إليها أعلاه، وهو ما يسجل ضمن مكتسبات الإصلاحات التي تم إجراؤها على بيئة السوق العقارية، استمرار التضاؤل الشديد على عمليات تملك واكتناز الأراضي بمساحات شاسعة كمخزن للقيمة لفترات زمنية طويلة، وهو الأمر الذي كفل تحققه نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وكذلك الحال بالنسبة لتعاملات المضاربة وتدوير الأموال والثروات على الأراضي تحديدا، تحت ضغط ضريبة التصرفات العقارية، وهما المتغيران الأكبر تأثيرا اللذان لعبا دورا رئيسا في التضخم الكبير جدا لأسعار الأراضي تحديدا خلال العقد الأخير، انتقل أثره المباشر إلى أسعار الوحدات السكنية وإيجاراتها السكنية والتجارية على حد سواء، وتسبب وجودهما في مزاحمة غير عادلة مع الطلب الحقيقي للمستهلكين النهائيين، الذين لا تقارن قدرتهم من حيث الدخل وقدرتهم الائتمانية، مع القدرة المالية الكبيرة التي يمتلكها كل من كبار ملاك الأراضي والمضاربين.
ودون إغفال تأثير بقية العوامل الاقتصادية والمالية الأخرى، بدءا من الإنفاق الحكومي، ومستوى معدل فائدة الإقراض، ومستويات دخل الأفراد، وقدرتهم الاستهلاكية "الدخل المتاح للإنفاق"، والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي ستتزامن مع أوضاع الاقتصاد الكلي مستقبلا، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية العالمية، وغيرها من العوامل التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، إلا أن تأثيراتها ستكون حاضرة بكل تأكيد، جزء منها سيكون داعما لمسارات ارتفاع أو استقرار الأسعار، وجزء آخر سيسهم في الضغط على مستويات الأسعار، ستنعكس في خلاصتها على أسعار الأصول وتكلفة تملكها أو استئجارها إما بالارتفاع أو الاستقرار أو الانخفاض، وبالنظر إلى التأثير الأكبر للعاملين المذكورين أعلاه "اكتناز الأراضي بمساحات كبيرة ومتوسطة، المضاربة على الأراضي"، وقفا خلف استمرار الارتفاع المطرد لأسعار الأراضي والعقارات، أو خلف تماسك مستويات الأسعار وعدم انخفاضها في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية العكسية، فقد أصبحا في مواجهة ما هو أكبر منهما "الرسوم على الأراضي البيضاء، ضريبة التصرفات العقارية"، ما يشير إلى نتيجة شبه محسومة في الأجلين المتوسط والطويل، ليست بالتأكيد في مصلحة أي من الاكتناز أو المضاربة، وهو ما سيضعف بدرجة كبيرة من الأسباب الأكبر والأقوى التي وقفت خلف ارتفاع الأسعار وتضخمها منذ 2006 حتى تاريخه، وتزامن كل ذلك مع الزيادة المطردة في جانب العرض من أراض ووحدات سكنية، ستؤول في خلاصة نتائجها النهائية إيجابيا على السوق العقارية المحلية، بزيادة مطردة في نشاطها القائم على التطوير العقاري لمزيد من الأراضي واستخدامها، وتقديم مئات الآلاف من الوحدات السكنية والتجارية والصناعية على حد سواء، وتتوافر على أثره كثير من الخيارات أمام المستهلكين النهائيين، ووفق أسعار عادلة وأدنى بكثير مما كان وما زال جزء منه قائما حتى تاريخه، وهي الصورة المختلفة إلى حد بعيد عما كانت عليه السوق العقارية طوال أكثر من عقد زمني مضى، سيطر على أغلب نشاطاتها تعاملات الاكتناز والمضاربة.
إنشرها