صديقتي يسرا

الأسبوع الماضي ذهبت إلى سوق المعيقلية في حي الديرة لشراء بعض الأغراض، وحين انتهيت باكرا من التسوق ذهبت مشيا على الأقدام إلى سوق "أوشيقر" الشعبي المجاور له. في رحاب هذا المكان أتنفس عبق التاريخ والأصالة والحكايات الشعبية التي لم ترو بعد، من لم يأت لهذه الأماكن من شهور سيفاجأ بالتغييرات الجذرية التي أضفت على السوق كثيرا من الجمال والاتساع والتصاميم الحديثة التي امتزجت بالمعمار الشعبي القديم، فأضفت على هذه المنطقة سحرا من نوع خاص. جلست على أحد المقاعد الأسمنتية الحديثة أمارس هوايتي الغريبة في قراءة وجوه الغادين والرائحين، حينها رأيت طفلة سمراء نحيلة لا تتعدى العاشرة من عمرها تحمل في كلتا يديها حقائب قهوة متنوعة تعرضها على الناس لشرائها. كثيرون كانوا يكتفون برفع أيديهم علامة على عدم رغبتهم في الشراء، والبعض كان يتوقف ويتفحص ثم يمضي دون أي كلمة. على مقربة مني وضعت الطفلة بضاعتها فوق حاجز أسمنتي ثم بدأت تدور حول شجرة ضخمة تارة تلامس الأوراق بيديها وكأنها تفضفض لها عن أحمال لا يطيقها قلبها الطفولي، وتارة تتشبث بجذع الشجرة الضخم وتدور حوله كعصفور مذعور يرغب في الاختباء في تجاويفه. ناديتها فأتت نحوي وابتسامة جميلة ترتسم على وجهها الصغير، أخبرتني أن اسمها يسرا وهي تعمل من بعد صلاة العصر إلى الساعة العاشرة مساء، وفي نهاية اليوم تحصل على 100 ريال أو أقل تعطيها لوالدتها لمساعدتها على مصروفات إخوانها الصغار. حين سألتها عن حلمها المستقبلي أجابتني بثقة "أصير دكتورة"، طال حديثي معها وأحسست بمشاعر جميلة وأنا أتحدث إليها وهي تخبرني عن أحلامها التي أثق أنها - بإذن الله - ستتحقق يوما ما، مضت صديقتي يسرا وهي تلوح لي بيدها الصغيرة التي تنوء بحمل حقائب القهوة وعلى وجهها تلك الابتسامة الدافئة. حين عدت إلى منزلي وتفقدت أغراضي التي اشتريتها لم تكن فرحتي بها تعادل فرحتي بلقاء تلك الطفلة يسرا.
تذكرت مقطعا متطاولا في السوشيال ميديا قبل فترة لرجل يشير إلى أحد البوابين وهو ينصح أبناءه أن يهتموا بدراستهم حتى لا يفشلوا فيكون مصيرهم مصير هذا البواب نفسه. إشكالية بعض الناس أنهم ينظرون باستعلاء لمن هم أدنى منهم، كما أنهم يظنون أن الفئات الأقل حظا ليس من حقهم أن يحلموا ويحققوا أحلامهم!
وخزة
وراء كل إنسان كادح حكاية حلم قد تتحقق، فالظروف التي تطحنه اليوم قد تصنعه غدا، فلا تقلل من شأنه. فالعالم يتسع لأحلام الجميع!