Author

«بريكست» في الانتخابات الأمريكية

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"نتائج الانتخابات الأمريكية يمكن أن تحسم مسألة بريكست"
أندرو أندونيس، عضو مجلس اللوردات البريطاني
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى نوعا من أنواع "الفانتازيا" أن تكون هناك صلة ما لقضية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي "بريكست" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تحسم اليوم بين دونالد ترمب وجو بايدن. لكن الأمر بعيدا عن هذه "الفانتازيا"، ولا سيما بعد أن أقدم الديمقراطيون قبل أيام على طرحها في سياق السباق الرئاسي. صحيح أنها مسألة ثانوية عند الناخب الأمريكي، لكنها ليست كذلك على الساحتين البريطانية والأوروبية. البريطانيون والأوروبيون الذين لم يحققوا شيئا يذكر في المفاوضات الهادفة لاتفاق تجاري بعد الخروج البريطاني، يتطلعون إلى شكل العلاقة المقبلة بين لندن وواشنطن، ولا سيما في ظل الاضطراب الحاصل في العلاقات الأوروبية - الأمريكية منذ وصول ترمب إلى السلطة في بلاده.
أحد مستشاري الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، قال بصيغة الجد، لكن بتعبير مازح: "بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني هو ترمب، لكن بتسريحة شعر أفضل". وهذا صحيح إلى حد ما، لكن ليس هناك تطابق كبير بين الرجلين في مسائل عالمية محورية، كما هو واضح في مواقف كل من العاصمتين الأمريكية والبريطانية. التطابق الكبير يتركز في الواقع في "بريكست". فدونالد ترمب، على عكس سلفه أوباما، أعلن في كل المناسبات، أنه ينتظر بفارغ الصبر إتمام خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ووعد بسلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة مع لندن ستعوض العلاقة المفقودة مع أوروبا، بحسب تعبيره. وهذا يكرس حقيقة، أن الرئيس الأمريكي ليس ميالا للتحالفات الدولية، بقدر ميله للعلاقات الثنائية المباشرة، وقد تحدى حتى حلفاءه التقليديين في هذا السياق في أكثر من مناسبة.
بالطبع الفارق كبير في حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وبين الأخيرة وأوروبا. فالمملكة المتحدة تصدر ما بين 43 و50 في المائة من إنتاجها وخدماتها إلى الاتحاد الأوروبي، في حين يصل حجم الصادرات البريطانية لأمريكا إلى 10 في المائة. وهذا يعني أن على لندن أن تدعم علاقاتها التجارية مع واشنطن بقوة في المرحلة المقبلة، ولا سيما إذا ما أخفقت في التوصل إلى اتفاق تجاري مع الأوروبيين. وهذا الأمر ليس سهلا. فهناك معوقات عديدة، في مقدمتها الجانب الجغرافي الذي يوفر لبريطانيا ميزة مع شركائها الأوروبيين، ولا تتمتع به مع الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك ما قاله المدير العام لاتحاد غرف التجارة البريطانية: "إن الخبرة الأمريكية في مفاوضات التجارة، تجعل من الصعب على بريطانيا التوصل إلى اتفاق جيد لمصلحتها". وفي الواقع، أجرى الاتحاد الأوروبي - وتحت لوائه بريطانيا - مع الجانب الأمريكي مفاوضات قبل 40 عاما وأمنها بصورة جيدة.
وبعيدا عن الميدان الاقتصادي بهذا الخصوص. لا توجد مشاعر لطيفة بين المرشح الديمقراطي بايدن وبوريس جونسون. فالأول قال عن الثاني العام الماضي: "إنه مستنسخ على صعيد الجسد والمشاعر من ترمب". و"بريكست" عند الديمقراطيين الأمريكيين لا يقتصر فقط على علاقات تجارية مستقبلية مع لندن، بل يضم بصورة أساسية مستقبل وضعية إقليم إيرلندا في حال انسحبت بريطانيا من الاتحاد بغير اتفاق. لماذا؟ لأن ذلك سيضرب اتفاق السلام الإيرلندي الذي رعته الولايات المتحدة في عهد الرئيس بيل كلينتون. وهذه النقطة مهمة أمريكيا إلى درجة أن أعلنت نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، قبل أسابيع، أنه يجب على جونسون ألا يمني النفس بأن المجلس سيوافق على أي اتفاق تجاري بينه وبين الولايات المتحدة، إذا تعرّض اتفاق إيرلندا للسلام لأي تجاوزات مهما كان حجمها.
من هنا، يمكننا رؤية القلق واضحا لدى الحكومة البريطانية، فيما لو فاز بايدن بالانتخابات الرئاسية اليوم. فالاتفاق التجاري الذي يسعى إليه جونسون مع واشنطن لن يكون سهلا، بل سيكون مشروطا من جانب إدارة ديمقراطية، الأمر الذي يضعف حجج جونسون، بأن بلاده ستكون أفضل تجاريا بعد إتمام انسحابها من الاتحاد الأوروبي. فهي تريد اتفاقات تجارية كبيرة وقوية لسد الثغرات الاقتصادية التي ستنجم عن هذا الانسحاب، دون أن ننسى التناغم التاريخي بين الإدارات الأمريكية الديمقراطية السابقة والاتحاد الأوروبي. ففي عز الخلافات السياسية بين المملكة المتحدة والاتحاد، أعلن باراك أوباما، وهو في الحكم، أنه لا يؤيد التوجهات الانفصالية البريطانية عن باقي دول أوروبا، بل يدعم البقاء والعمل الجماعي.
بالطبع لن يترك رئيس الوزراء البريطاني الأمور لتسير نحو الأسوأ مع أمريكا "الديمقراطية"، سيتحرك من أجل تسخين العلاقة معها قدر المستطاع، لكن لن يكون لتحركه أثر كبير إذا ما واصل سياسته الشعبوية المتضاربة مع منهج الحزب الديمقراطي الأمريكي. بعض المراقبين لا يستبعدون أن تضيف واشنطن مزيدا من القوة لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، للتأكيد مجددا أن بريطانيا الشعبوية ليس مرحبا بها على الساحة الأمريكية، وأن التعاون الدولي الطبيعي هو حجر الزاوية في العلاقات. "بريكست" دخل حلبة الانتخابات الأمريكية بالفعل، إلى درجة أن المفاوضات البريطانية - الأوروبية بشأن الاتفاق التجاري المستقبلي شبه معلقة إلى أن تتضح الصورة في الطرف الآخر من المحيط الأطلسي.
إنشرها