أخبار اقتصادية- عالمية

الفساد في اقتصادات "آسيان" .. وباء أكثر شراسة من كوفيد - 19 والخسائر 450 مليار دولار سنويا

الفساد في اقتصادات "آسيان" .. وباء أكثر شراسة من كوفيد - 19 والخسائر 450 مليار دولار سنويا

الفساد المستشري في اقتصادات منطقة أسيان يمثل تحديا للنمو الاقتصادي والتنمية.

على الرغم من شكوك عديد من الخبراء الدوليين في الأرقام الصادرة من دول جنوب شرق آسيا بشأن نتائج تعاملها مع وباء كورونا، واعتبار أرقام المؤسسات الرسمية في تلك الدول غير موثوق بها، ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل مطلق، فإنهم مع ذلك يشيرون إلى أن الدول العشر في جنوب شرق آسيا المنضوية تحت رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، التي يبلغ عدد سكانها 661 مليون نسمة أو 8.7 في المائة من إجمالي عدد سكان الكرة الأرضية، نجحت في تحقيق وضع أكثر كفاءة في مواجهة الفيروس، مقارنة بدول أكثر تقدما منها، إذ لم يزد عدد المصابين بفيروس كورونا في دول منظمة آسيان إلا 1.3 في المائة من إجمالي الإصابات العالمية، ولم تتجاوز الوفيات 0.7 في المائة فقط.
وعلى الرغم من أن تأثير فيروس كورونا في اقتصادات تلك الدول (إندونيسيا والفلبين وفيتنام وماليزيا وماينمار وكمبوديا وتايلاند ولاوس وسنغافورة وبروناي) لا يمكن إنكاره، إلا أنها تواجه من وجهة نظر الخبراء عدوا أكثر خطورة وشرسة، يؤثر بشكل لا لبس فيه على قدرتها في تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي.
ففي دراسة استقصائية سنوية تقوم بها الحكومة الأسترالية لبحث تصورات شركاتها العاملة في المنطقة، طلب من كل شركة تحديد أهم ثلاثة تحديات للعمل في جنوب شرق آسيا، وفي تسع من أصل عشر دول تشكل مجموعة آسيان، كان الفساد ضمن أكبر ثلاثة تحديات، وعد 50 في المائة من المشاركين في الدراسة الاستقصائية أن الفساد يمثل تحديا كبيرا.
ويعود ذلك إلى توقع كل شركة أجنبية أو محلية بأن شكلا من أشكال "رسوم التيسير" غير القانونية لا بد من دفعها لتسهيل الأعمال، والتغلب على العقبات البيروقراطية، التي تعوق نشاطها.
الفساد المستشري والعميق الجذور في اقتصادات تلك الدول يمثل تحديا كبيرا للنمو الاقتصادي والتنمية في المنطقة، والمؤشرات الدولية في هذا الشأن لا تزال تشير إلى أن ما تحقق من تقدم في مكافحة الفساد في جنوب شرق آسيا، خلال الأعوام الماضية لا يزال بعيدا عما يجب تحقيقه، بل إن الخبراء يخشون حاليا من أن ما حققته دول منظمة الآسيان خلال الأعوام الماضية في مضمار مكافحة الفساد، قد يتآكل مع تسارع التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، وزيادة حجم التبادل التجاري.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" استون روالنج الباحث في الاقتصاد الآسيوي "يشير عديد من الأدلة إلى أن الفساد محرك رئيس للأنشطة غير المشروعة والجريمة المنظمة العابرة للحدود في منطقة جنوب شرق آسيا".
وأوضح أن حكومات المنطقة تقدر الدخل الإجمالي السنوي المحقق من الفساد بما يراوح بين 150 و200 مليار دولار سنويا، كما أن عمليات الفساد والتغطية عليها تؤدي إلى خسائر اقتصادية بما لا يقل عن 450 مليار دولار سنويا.
وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن خطورة تفشي الفساد في الدول الأعضاء في منظمة آسيان، يعود إلى أنه يحول دون مضيها قدما في مسيرة نموها الاقتصادي، وأنها ستظل تدور ضمن نطاق الدول متوسطة الدخل، ولن تفلح في المضي أبعد من ذلك.
يضاف لهذا أنه على الرغم من نجاح بعض الاستثمارات الأجنبية في الاستفادة من مناخ الفساد السائد داخل دول منظمة "آسيان"، فإنه في المقابل فشل عديد من الاستثمارات الأجنبية في العمل وسط هذا المناخ، خاصة أنه في حال اكتشاف تورط تلك الاستثمارات الأجنبية في عمليات فساد في دول المنطقة، فإن ذلك لا ينعكس غالبا على نشاطها الاقتصادي في مجموعة آسيان فحسب، وإنما على سمعتها على المستوى العالمي.
وبمقدار ما يشير الخبراء في مجال الاستثمار إلى أن الفساد يميل إلى الإضرار بالنشاط الاقتصادي، لأنه يعد مثبطا قويا للاستثمار الأجنبي، فإنه يؤثر سلبا أيضا في النمو الاقتصادي والثروة الوطنية.
بدوره، يشير لـ"الاقتصادية" الخبير الاستثماري دي إتش جونسون، إلى أنه من بين ثمانية مليارات دولار من المساعدات قدمت لدول المنطقة، فقد منها ما يقدر بنحو مليار دولار نتيجة الفساد، ويؤكد أن تراجع معدلات الفساد في دول منظمة آسيان إلى مستوى الفساد في مجموعة الدول الاسكندنافية، كفيل بزيادة معدلات النمو الاقتصادي، ما يراوح بين 2.5 و3.25 في المائة.
إلا أن النظرة التقليدية، التي تدين الفساد بصفته عائقا أمام النمو، تواجه حاليا بآراء غير تقليدية تتشكل في مدى التأثير السلبي للفساد على التنمية الاقتصادية، وتعد أن هناك مبالغات في هذا الشأن، بل وتدعو إلى قراءة الدور الاقتصادي للفساد من زوايا مختلفة.
فالفساد الذي لا يمكن إنكاره في مجموعة دول جنوب شرق آسيا، لم يحل دون قدرتها على أن تكون ضمن مجموعة الدول، التي جذبت كميات كبيرة من الاستثمار الأجنبي على مدار العقود الأربعة الماضية، كما أن دولا مثل إندونيسيا وتايلاند صنفت أيضا من بين أسرع الاقتصادات نموا في العالم في أعوام مختلفة، وهذا يطرح شكوكا حول الاعتقاد السائد بأن الفساد يثبط الاستثمار ويضر بالاقتصاد ويحد من النمو.
من ناحيتها، قالت لـ"الاقتصادية" الدكتورة هلين آدم أستاذة استراتيجيات التنمية في جامعة لندن، ترى أن تلك الطروحات الجديدة، التي تبحث في العلاقة بين الفساد والنمو في جنوب شرق آسيا، مبنية على أن الفساد المرتفع كان مصحوبا بنمو مرتفع والعكس صحيح.
وأضافت "ما يطلق عليه العلاقة الإيجابية بين الفساد والنمو في تلك المجموعة من الدول، يعود إلى أنها تمكنت من النمو لأن فسادها يمكن التنبؤ به، فما يثبط الاستثمار التجاري، الذي يعد ضروريا لنمو الناتج المحلي الإجمالي لا يعود إلى الفساد في حد ذاته، بقدر ما يعود إلى عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ، فالفساد إذا كان قابلا للتنبؤ به ومستقرا، فيمكنك تضمينه في حسابات تكلفة أعمالك .. نعم يقلل هامش الربح لكن لا يلغيه".
وتابعت "كما أن بعض أنصار الليبرالية الحديثة يشيرون إلى أن الفساد يتضمن قفزا على الحواجز، التي تفرضها البيروقراطية، التي تعوق الاستثمار عبر تدخلها في القرارات الاقتصادية، وأن بعض الدراسات، التي أجريت لتحليل الفساد وتأثيره في النمو الاقتصادي، كشفت أن الدول ذات المؤسسات الجيدة يكون تأثير الفساد فيها في النمو اقتصاديا سلبيا، بينما الدول ذات المؤسسات الرديئة، فإن تأثير الفساد فيها يكون إيجابيا أو أقل سلبية على النمو، وربما يعود ذلك إلى أن الفساد يوفر في بعض الأحيان الوقت، ويتغلب على العقبات البيروقراطية، التي تعوق الاستثمار، وفي الدول النامية والاقتصادات الناشئة غالبا يهدف الفساد إلى تسريع المعاملات الاقتصادية والتغلب على البيروقراطية".
رسميا لا تلقى وجهة النظر تلك ترحيبا من قبل حكومات دول منطقة جنوب شرق آسيا، ولا تزال تواجه برفض صريح من قبل عديد من الخبراء والمنظمات الدولية والمعاهد الأكاديمية، وبالطبع تتطلب مزيدا من البحث التجريبي لمعرفة مدى دقتها وواقعيتها. لكنها تكشف أيضا عن أن تأثير الفساد على النمو الاقتصادي سلبا أو "إيجابا" سيعتمد بشكل كبير على درجة التطور الاقتصادي في الدولة محل الدراسة والسياق العام لديه.
لكن ما يلاحظه بعض الخبراء والمستثمرين في منطقة جنوب شرق آسيا، أن دول المنطقة، التي خاضت غمار تجربة التحرر الاقتصادي، بما يتضمنه ذلك من الحد من حواجز التبادل التجاري والاستثمار، وتقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، والذي يفترض معه أن يقلل من معدل الفساد لأن الشركات لم تعد بحاجة إلى دفع رشا للسماح لها بمزاولة أعمالها، كل هذا لم يساهم في خفض معدلات الفساد في دول آسيان، بل إن الفساد امتد إلى القطاع الخاص فيها.
ووفقا لمؤشر البنك الدولي للرشوة، فإن 30 في المائة من المعاملات التجارية المتعلقة بالخدمات العامة تتطلب مدفوعات وهدايا غير رسمية، ومن المتوقع أن تقدم أكثر من 40 في المائة من الشركات العاملة في دول جنوب شرق آسيا هدايا لتأمين العقود العامة الضرورية لتحقيق أرباح ملموسة تمكنها من مواصلة النشاط الاقتصادي لفترة طويلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية