Author

قطاع الخدمات وتسكين الآلام

|

مع استمرار تصاعد الموجة الثانية من وباء كورونا المستجد، ومع المخاوف المتصاعدة أيضا من دخول الاقتصاد العالمي في مزيد من الركود العميق، وبالتالي البطء في نمو مؤشراته، تتعرض القطاعات الاقتصادية حول العالم إلى مشكلات بعضها وصل إلى حد أخرج مؤسسات تجارية راسخة من السوق، ويهدد أخرى بالمصير نفسه في حالة استمرار التدهور الاقتصادي الراهن. سلسلة الإغلاقات تتوالى، خصوصا من جانب الدول المتقدمة، ومن بينها أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، وهذا يجعل الفوضى الاقتصادية حاضرة على الساحة ربما فترة لن تكون قصيرة، في ظل استمرار عمليات الدعم الحكومية للاقتصادات الوطنية هنا وهناك. فهذه العمليات تسهم في تسكين الآلام، إلا أنها لا توفر حلولا ناجعة للتعافي المأمول على الساحة الدولية.
كل القطاعات تضررت من جراء تفشي كورونا مطلع العام الجاري، وهناك قطاعات تعرضت للخسائر أكثر من غيرها، بما في ذلك قطاع تجارة الخدمات، الذي نال الضربة الأولى تقريبا من هذا الوباء، إلى جانب قطاعات النقل والسياحة والسفر وغيرها. ففي الربع الثاني من العام الجاري، انخفضت التجارة العالمية في الخدمات 30 في المائة على أساس سنوي، وفق منظمة التجارة العالمية، التي عدت أن الانكماش الراهن في قطاع الخدمات العالمية الأشد حدة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008. وتجارة الخدمات تضم نشاطات واسعة، من بينها السياحة والنقل والتمويل والتعليم والصحة والبحوث والخدمات المالية والاستشارات الإدارية والبريد، وغير ذلك من نشاطات تمثل حجر الزاوية لأغلبية القطاعات. وكان للسياحة الحصة الأكبر من الأضرار بسبب وقف حركة السفر، خاصة قطاع الطيران، وهذا أمر طبيعي مع توقف الحراك الاقتصادي العالمي بصورة شبه تامة لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.
ففي الأشهر الماضية، خرجت منتجعات وفنادق وشركات سياحة من السوق تماما، وأنتجت أعدادا كبيرة من العاطلين عن العمل، انضموا إلى أولئك الذين يتلقون الدعم المعيشي الحكومي. فنفقات المسافرين الدوليين انخفضت - وفق منظمة التجارة العالمية - 81 في المائة، في حين انخفضت وسائل النقل 31 في المائة. بينما يشكل هذان القطاعان 43 في المائة من تجارة الخدمات. والأمر أقل حدة بعض الشيء في بقية الميادين التي تشكل في النهاية قطاع الخدمات العالمية الواسع. كل هذا يجري في ظل حالة عدم اليقين العالمية على صعيد احتواء كورونا، أو السيطرة عليه بصورة أكبر.
والمشكلة الأكبر التي يواجهها قطاع الخدمات العالمية، أنه تعرض قبل الوباء إلى تراجعات لافتة، لكنها لم تكن مقلقة، ومع تفشي هذا الوباء كانت السرعة للتراجع أكبر بفعل المؤثرات السلبية الآتية من العام الماضي أصلا، دون أن ننسى - بالطبع - أن الوضع الاقتصادي العالمي لم يكن على ما يرام قبل الجائحة العالمية، بفعل الحروب والمعارك والصراعات التجارية بين أكبر اقتصادات العالم قاطبة، من بينها أمريكا والصين. وفي كل الأحوال، لا يوجد مؤشرات تدل على أن قطاع الخدمات العالمية سيتعافى سريعا، ليس فقط لأن جائحة الوباء لم تحل بعد، بل لأن الركود الاقتصادي سيستمر فترة أطول مما كان متوقعا عقب تفشي كورونا.
فالركود العميق يتعمق أكثر، وأي مسار للتعافي في الميادين الاقتصادية، سيكون بطيئا، خصوصا مع ارتفاع عدد الدول التي تقوم حاليا بإغلاقات شاملة لكل حراكها الاقتصادي والحياتي أيضا.
وفي الربع الثالث، قد تتحسن بصورة طفيفة وضعية قطاع الخدمات، على اعتبار أن الاقتصاد العالمي شهد تحركا ما بعد أن أعيد فتح الاقتصادات، لكن لن يضمن أي انتعاش أو تعاف في هذا القطاع الحيوي، وغيره من القطاعات الأخرى النشطة.

إنشرها