Author

موجة ثانية من المصاعب الاقتصادية

|
الموجة المتصاعدة الجديدة لوباء كورونا المستجد، ترفع معها المخاوف من معضلة كبيرة إلى أخرى أكبر جديدة، ربما تفوق الأولى على مختلف الأصعدة، وعلى رأسها الجانب الاقتصادي المعيشي، الذي نال منه الوباء كثيرا في موجته الأولى المفاجئة للجميع. المؤشرات على عمق الموجة الثانية تظهر يوميا على الساحة، خصوصا في القارة الأوروبية والولايات المتحدة، وبدأت عمليات الإغلاق الاقتصادي تتوالى جزئيا ماضية قدما نحو الإغلاقات التامة ربما في الأيام القليلة المقبلة، دون أن ننسى، أن أقاليم كاملة تم إغلاقها خوفا من استمرار تفشي الوباء، مثل إقليم ويلز في المملكة المتحدة، الذي بات من المستحيل لسكان بقية بريطانيا دخوله. والأمر في فرنسا وإيطاليا حتى إسبانيا، ليس أقل كثيرا من الوضع الراهن في الجزيرة البريطانية، فالإغلاقات متوالية، حيث أدت إلى مواجهات طفيفة مع الشرطة في بعض الأماكن.
الكل ينتظر لقاحا ناجعا ملاحقا لفيروس كورونا، وهذا اللقاح لم يظهر بعد بصيغته النهائية، باستثناء بعض التجارب هنا وهناك. لكن المشكلة الكبرى لا تزال حاضرة، وهي تلك التي تتعلق بالاقتصادات التي تعاني أصلا - قبل الوباء - مشكلات مختلفة. فالديون الحكومية في معظم الدول وصلت إلى مستويات تاريخية، بما في ذلك تجاوزها في كثير من الدول حجم الناتج المحلي الإجمالي فيها، وعمليات الإفلاس مستمرة وتضم مؤسسات راسخة في الأسواق، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة بصورة مخيفة للغاية، أنتجت بدورها شرائح جديدة انضمت إلى عديد من الفقراء في أغلبية البلدان، ومنها الأوروبية. ففي بريطانيا - مثلا - تشهد واحدة من كل ثلاث أسر انخفاضا في دخلها، بينما زادت أعداد السكان الذين يلجأون إلى ما يسمى بنوك الطعام المجانية.
الموجة الأولى من كورونا جلبت ركودا اقتصاديا عميقا تمنى العالم أن يخرج منه قبل نهاية العام الجاري، أو بحلول منتصف العام المقبل على أسوأ تقدير، إلا أن عودة الوباء إلى التفشي تعني أن هذا الركود سيكون أكثر عمقا، ولا سيما في ظل إجراءات الإغلاق في كل القطاعات تقريبا. وتخشى الحكومات في الدول الغربية كلها، أن يرتفع أعداد الفقراء بصورة لا يمكن السيطرة عليها في المستقبل.
فالعجز عن تسديد الديون بات يسيطر على المشهد الاقتصادي الاجتماعي العام، إلى درجة أن إحصاءات رسمية في بريطانيا وغيرها أظهرت أن واحدا من بين كل خمسة بالغين يبحثون على الأرجح الآن عن استشارة لكيفية سداد الديون، علما بأن الحكومات التزمت بتسديد نسبة من رواتب العاملين من أولئك الذين يعانون العجز في التسديد. وحتى قبل عودة كورونا إلى الظهور بقوة، كان البنك الدولي قد أعلن أن ما بين 88 و114 مليون شخص أصبحوا في فقر مدقع. أي أن هؤلاء لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في تأمين الاحتياجات الضرورية اليومية اللازمة لهم ولأسرهم.
والموجة الأولى، خلفت أيضا أعدادا كبيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم، بينما هناك الملايين من الطلاب الذين لا يستطيعون الحصول على أجهزة حاسوب بسيطة من أجل استكمال تعليمهم عن بعد.
كل هذا ضرب - في الواقع - مشاريع الأمم المتحدة للحد من الفقر والجوع، وتوفير التعليم المناسب على مستوى العالم، خصوصا في الدول الفقيرة، وتلك التي تصنف في قائمة الأشد فقرا. وعلى هذا الأساس، فإن الموجة الثانية من كورونا إذا ما أحكمت قبضتها في الأسابيع القليلة المقبلة، ستزيد من مصاعب الاقتصاد العالمي كله، خصوصا على صعيد المجتمعات الفقيرة والمحدودة والمنخفضة الدخل.
إنشرها