Author

الاقتصاد العالمي بتفاؤل مهزوز

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"التعاون العالمي بشأن لقاحات كورونا ربما يسرّع التعافي الاقتصادي العالمي"
كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي
يتفق معظم المؤسسات الدولية، على أن الاقتصاد العالمي يشهد حاليا تعافيا اقتصاديا مؤقتا، الأمر الذي يزيد جرعة الأمل في إمكانية التخلص من الآثار الاقتصادية الرهيبة التي تركها وباء كورونا المستجد على العالم، ويواصل تركها على الساحة الدولية، ولا سيما في ظل إمكانية انفجار موجة ثانية من هذا الوباء، ربما تكون أعنف من الأولى، بحسب أغلب المختصين في الميدان الصحي، والتعافي المؤقت الذي تحدث عنه صندوق النقد الدولي، ليس قويا، لماذا؟ لأنه يعتمد في الواقع على سياسات الإنقاذ التي اعتمدتها الحكومات حول العالم. بمعنى آخر: إن هذا التعافي لم يأت من جراء عودة الاقتصاد العالمي إلى حراك ذاتي، أو نشاط قريب من مستوى النشاط الذي كان يتمتع به قبل تفشي الوباء، دون أن ننسى، أن وضع الاقتصاد العالمي في العالم الماضي، لم يكن جيدا أصلا.
حتى لو كان التعافي المشار إليه يستند إلى وضعية جيدة، ولا نقول قوية، فالآثار الناجمة عن الوباء ستبقى حاضرة على الساحة لأمد ليس قصيرا، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان، ضعف نمو الإنتاجية، وارتفاع أعباء المديونية، وزيادة مستويات التعرض للمخاطر المالية، وبالطبع نمو الفقر وعدم المساواة. أضف إلى ذلك التغيرات التي بدلت بعض المعالم الاقتصادية التقليدية هنا وهناك. وعلى هذا الأساس، يمكن القول: إن هذا التعافي الجزئي حصل بفعل أدوات حكومية في السوق، وليس بقوة معايير الساحة الاقتصادية الحرة والمفتوحة. المطلوب الآن، مواصلة التحفيز الاقتصادي الحكومي، ولا سيما على الساحتين الأمريكية والصينية، لأن الانفراج في هاتين الساحتين، يساعد على تعزيز التعافي العالمي. وشهدنا في الأعوام القليلة الماضية، الآثار السلبية في الساحة الاقتصادية الدولية من جراء المعارك التجارية بين أكبر اقتصادين على الإطلاق.
هناك بعض المؤشرات الإيجابية على الساحة الأمريكية، لكنها تبقى محدودة، وستظل هكذا إلى أن تنجلي الصورة السياسية العامة في الولايات المتحدة في أعقاب الانتخابات الرئاسية. لكن الأمر ليس كذلك على الساحة الأوروبية، التي باتت تتصدر المشهد العالمي على صعيد عودة فيروس كورونا إلى الساحة، فضلا عن الاضطرابات الناجمة عن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي لا تزال تواجه المصاعب والمعوقات والعقبات. وهذا ما يظهر حاليا من خلال تراجع نشاط الأعمال في دول منطقة اليورو خلال الشهر الحالي، مقارنة بالشهر الذي سبقه. ووفق آخر المسوح بهذا الشأن، فإن أوروبا على أبواب ركود آخر جديد، بسبب الموجة الثانية من الوباء. فالإغلاقات بدأت في أغلب الدول الرئيسة في هذه القارة، حتى إنها أدت إلى شبه تمرد محلي بين الحكومة المركزية في بلد كبريطانيا وعمدة مدينة مانشستر، الذي كان يرفض الإغلاق، إذا لم تتعهد الحكومة بتقديم تعويضات تصل إلى 100 في المائة.
مع ذلك، فالوضع في الولايات المتحدة ليس ورديا، استنادا إلى استنتاجات ريتشارد كلاريدا نائب رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) الذي عدّ أن اقتصاد بلاده صار بالفعل في هوة عميقة، مشيرا بصورة خاصة إلى أن تعافي سوق العمل قد يستغرق وقتا طويلا، مع وصول حالات الإفلاس إلى مستويات كبيرة، وتوقف نسبة ليس قليلة من المؤسسات، بفعل الركود الراهن. فالأمور ليست واضحة بعد، وهي مشوشة أكثر الآن، مع احتمالات استكمال إحكام الموجة الثانية من كورونا قبضتها على المشهد العام في الولايات المتحدة وغيرها. ولا يمكن رسم صورة متوازنة وواضحة للاقتصاد العالمي، قبل أن يظهر اللقاح الملاحق للفيروس الذي يمكن أن يسوق عالميا دون أن تكون له مخاطر صحية محتملة. فاللقاح المأمول، هو في الواقع أداة محورية لدفع الاقتصاد العالمي خارج دائرة الركود.
إلى أن يتم تحقيق هذا الهدف الدولي الأساسي، ليست هناك حلول ناجعة للاقتصاد العالمي، سوى استمرار السياسات النقدية التيسيرية، إلى جانب طبعا تواصل عمليات الإنقاذ والدعم في كل القطاعات دون استثناء. ولأن الأمر كذلك، تراجع كثير من الحكومات عن الالتزام بالمواعيد التي حددتها لوقف عمليات الدعم، في أعقاب تجدد الإصابات بكورونا. ماذا فعلت؟ واصلت الاستدانة بالطبع الأمر الذي قفز بمديونيات أغلب الحكومات، ولا سيما في العالم الغربي إلى مستويات توازي نواتجها المحلية الإجمالية، وهي أصلا تعاني ارتفاع المديونية حتى في عز الازدهار الاقتصادي. الأمر لم يعد مهما الآن، المهم الآن أن تبقى عجلات الاقتصادات الوطنية على دورانها، أو تضمن الدول مصير مؤسساتها (العامة والخاصة بالطبع)، إلى أن تنجلي الصورة، وكل شيء يظل قابلا للعلاج في مراحل لاحقة.
المشهد العام ليس براقا، حتى بعد تأكيدات صندوق النقد الدولي بحدوث تعاف عالمي جزئي. فما يجري على الساحة الدولية الآن، انتقال الركود الذي جلبه الوباء إلى مرحلة جديدة، لا يريد أحد الوصول إليها، وليس أمام هذا العالم إلا التعاون ليس فقط في العثور على اللقاح المأمول، بل في تعزيز التفاهم الاقتصادي بين الدول المؤثرة، بعيدا عن الخلافات التي ضربت الاقتصاد حتى في أوقات الازدهار.
إنشرها