Author

النفط .. رسالة الرياض واضحة

|
حقق اتفاق خفض إنتاج النفط قبل أربعة أعوام، نجاحا باهرا، لمجموعة من الأسباب، في مقدمتها الرعاية المباشرة له من قبل المملكة، البلد الأكثر إنتاجا للبترول، والأكثر ضمانا لاستقرار السوق النفطية العالمية. ومنها أيضا أن دولا نفطية خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، التزمت بكل مراحل هذا الاتفاق، بما في ذلك تجديده الدائم، وعلى رأسها - بالطبع - روسيا، التي أسست علاقة متماسكة وموثوقة وواضحة وصريحة مع السعودية، أضافت مزيدا من الضمانات للنفط على الساحة الدولية. وكان للدور السعودي أبعاد أخرى في هذا الاتفاق، الذي أعاد أسعار النفط إلى مستويات عادلة لكل من المستهلكين والمنتجين، خصوصا تحرك المسؤولين السعوديين ضد محاولات النظام الإرهابي في إيران تخريب الاتفاق منذ اليوم الأول لإطلاقه.
إنه اتفاق لم يفد فقط الجانب المنتج للبترول، بل أعاد الاستقرار إلى سوق نفطية متأرجحة أيضا، الأمر الذي دفع العالم أجمع إلى الإشادة به، والتحرك من أجل المحافظة عليه، خصوصا في ظل التطورات التي جلبها وباء كورونا المستجد معه إلى الساحة الدولية. كانت الرسالة واضحة من المملكة للجميع، وجاءت على لسان وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي أكد في مؤتمر قمة سنغافورة للطاقة، أن عدم الامتثال والالتزام بالحصص النفطية للدول المنتجة يمكن أن يقوض اتفاق "أوبك +". وهذا تحذير واضح لكل جهة تفكر في التنصل من التزاماتها في ميدان خفض الإنتاج، ولا سيما تلك التي تسعى دائما إلى زرع الاضطراب في السوق النفطية بأي شكل من الأشكال.
المسألة لا تتعلق فقط بالمحافظة على استقرار السوق، وضمان الإمدادات النفطية اللازمة، بل تشمل أيضا مستقبل الطاقة البترولية، الذي يمثل محورا رئيسا في الدول المنتجة كلها، التي تعتمد الحكمة في معالجة قضايا الطاقة بأنواعها. وهنا يأتي حرص المملكة على ضرورة دراسة الخيارات الخاصة بالحد من الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، بهدف مكافحة تغير المناخ. وهذه الخيارات متعددة، وتطرح في الميادين كلها المتعلقة بتقليل الانبعاثات الكربونية، إلا أن ذلك لا يدفع بأي شكل من الأشكال إلى الاستغناء عن النفط والغاز، فهذا الاحتمال - وفق الأمير عبدالعزيز بن سلمان - بعيد وغير واقعي، وهو كذلك بالفعل، فحتى أولئك الباحثون عن حلول للتغير المناخي، ليسوا مقتنعين بمسألة الاستغناء عن النفط والغاز على الأقل قبل أربعة عقود من الآن.
المهم الآن أن تكون الأسعار النفطية عادلة، والإمدادات متوافرة في زمن الازدهار وفي وقت الأزمات، وهذا ما تعمل عليه المملكة وشركاؤها الذين يسعون بالفعل إلى تكريس الضمانات في هذا المجال. وهذا لن يتم إلا بالالتزام الكامل من قبل أطراف اتفاق خفض الإنتاج بما وقعوا عليه، الأمر الذي يمثل الآن محورا رئيسا لضمان الاتفاق ومخرجاته الإيجابية على السوق النفطية. فعلى سبيل المثال، تراجعت أسعار النفط هذا الأسبوع 3 في المائة، في ظل تنامي حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة وأوروبا.
وهذا يثبت - بقوة - ضرورة التمسك باتفاق خفض الإنتاج، لضمان توازن السوق النفطية، وهو أيضا ما تؤكده الرياض في جميع المناسبات، خصوصا في فترة تراجع الأسعار المرتبطة بالركود الاقتصادي العالمي، الذي يبدو أنه يتعمق أكثر، من جراء عودة كورونا إلى الانتشار في الدول الأكثر استهلاكا للنفط والغاز. وفي النهاية، لا يمكن السماح لجهة أن تعبث بالإنجازات الكبيرة التي حققها الاتفاق المشار إليه، وعادت بالنفع على الجميع.
إنشرها