Author

تحييد فيروس الفساد

|


يعاني العالم ندرة الموارد الاقتصادية، كما أنها تتوزع بين قارات العالم بشكل يجعل من المستحيل اليوم لشعب ما أن يعيش منعزلا دون الحاجة إلى ربط اقتصاده باقتصادات دول أخرى، سواء من حيث تدفق الموارد الاقتصادية أو العمال. وكان أخطر القضايا التي واجهت دول مجموعة العشرين مع انتشار جائحة كورونا، التهديدات المرتبطة بقطع سلاسل الإمداد، حيث بذلت الدول جهودا ضخمة من أجل منع حدوث مثل هذا الأمر، ومن ذلك الجهود الكبيرة في منح الدول مساعدات مالية لمواجهة الجائحة، وأيضا تلك التي تتعلق بإسقاط الديون وتأجيلها.

وسعت السعودية إلى تقديم جهود ومبادرات كبيرة من خلال رئاسة المجموعة، ومن ذلك إطلاق مبادرة مجموعة العشرين التاريخية لتعليق مدفوعات خدمة الدين، ووفرت سيولة بنحو 14 مليار دولار كمساعدة من المقرضين. لكن العالم بأسره يواجه فيروسا لا يقل خطورة عن فيروس كوفيد - 19، وهو الفساد، وهذا المرض قادر على تبديد كل هذه الجهود العالمية الضخمة، فلا بد من أن تتضافر الجهود لتحييد هذا المرض، خاصة في هذه الظروف التي يمر بها العالم، فالعمل الضخم في جانب الضمانات الاقتصادية والمساعدات والدعم قد يتم توجيهه في الدول المختلفة إلى غير ما هو مستهدف منه. لهذا، أعلنت السعودية مبادرة الرياض لمكافحة الفساد، تحت مظلة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وتهدف إلى تعزيز التعاون المشترك في مجال إنفاذ القانون بين الجهات المختصة بمكافحة الفساد.

وترتكز هذه المبادرة على إنشاء شبكة عمليات عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، وإنشاء منصة لتسهيل تبادل المعلومات بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد. فالشعور بالمسؤولية عن مكافحة الفساد يجب أن يشمل دول العالم كافة، وأن يتعاون الجميع لتحقيق ذلك، وتأتي الخطوة الأولى دوما في تسهيل تبادل المعلومات، وتحتاج - بالطبع - إلى منصة عالمية. فوجود المنصة في ذاته دافع لكل الدول المشاركة، فلا يكفي اليوم أن تكون دول مجموعة العشرين هي التي تكافح الفساد بينما تفشل الدول الأخرى في تحقيق هذا الهدف، ما يقوض تماما الجهود التي من شأنها ضمان وصول المساعدات والدعم والتسهيلات، وتحقيقه الأهداف المرجوة منه، وهذا يتضمن أيضا بناء قدرات منسوبي سلطات مكافحة الفساد، ولا سيما في الدول النامية، وتعزيز الاستفادة من شبكات إنفاذ القانون الدولية، مثل شبكة الإنتربول والـOECD.

ومن الواضح جدا أن جهود القضاء على الأمراض الفتاكة والتحركات والتوجهات للقضاء على الفقر، ودعم مشاريع عالمية مثل الذكاء الاصطناعي، جميعها مرتبطة بشكل أو بآخر بمدى قدرة العالم ككتلة واحدة على القضاء على الفساد، فالفساد هو الذي يمنع وصول المساعدات أو يوجهها إلى غير وجهتها الاقتصادية الصحيحة، وهو بذلك يسهم في تباطؤ جهود مكافحة الفقر في الدول النامية. كما أن نشر الذكاء الاصطناعي بكل تنوعه وإمكاناته، سيسد الفجوات التي يلج منها الفساد وينتشر. وشدد مسؤولو مكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين برئاسة المملكة، في البيان الختامي الذي صدر عن الاجتماع، على أهمية الهيكل الدولي القائم لمكافحة الفساد، ولا سيما الالتزامات والتعهدات المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد UNCAC، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، واتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بشأن مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية وما يتصل بها من وثائق، والمعايير المنبثقة عن مجموعة العمل المالي FATF، حيث يتضمن جميع هذه الصكوك مجموعة متينة من التدابير التي يجب على الدول أن تتخذها لمنع الفساد ومكافحته، وعمليات غسل الأموال، والجرائم الاقتصادية الخطيرة الأخرى ذات الصلة.

والسعودية بهذا التشديد، وهذا البيان التاريخي الذي يصدر عن اجتماعات المجموعة في الرياض، تؤكد أنها تمضي قدما، وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وعلى النهج الشجاع لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لاجتثاث هذه الآفة ليس من المملكة فحسب، بل حتى من دول مجموعة العشرين كافة، التي من خلال النجاح الكبير في تحقيق مقتضيات البيان التاريخي، ستكون قدوة للعالم أجمع، ما يجعل الاقتصاد العالمي أكثر عدالة، والتنافسية فيه أكثر قدرة على تحقيق توزيع أمثل للموارد، ودعم جهود المؤسسات الدولية الأخرى التي تكافح المرض والجهل والفقر.

فهي مبادئ عالمية الطابع، منبثقة من سياسة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، والاستراتيجيات السعودية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تتضمن من بين أمور عدة توظيف تقنية المعلومات والاتصالات لتعزيز النزاهة في القطاع العام، وتقوية النزاهة في عمليات التخصيص والشراكات بين القطاعين العام والخاص، كما تشمل التعهد بمنع المجرمين من الهروب من العدالة، بغض النظر عن مناصبهم أو مكانتهم الاجتماعية، والتصدي لعمليات إخفاء عائدات الفساد عبر الحدود، ومتابعة تجريم أفعال الفساد وملاحقة مرتكبيها، واسترداد الموجودات المسروقة التي صودرت، وإعادتها، متى ما كان ذلك مناسبا، وبما لا يتعارض مع القوانين المحلية والالتزامات الدولية.

إنشرها