Author

حتى لا نخسر المكاسب

|

منذ الأيام الأولى لانتشار فيروس كورونا في السعودية، استنفرت وزارة الصحة جهودها لاحتوائه مبكرا، وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تم البدء بتطبيق الاحترازات والإجراءات الصحية المناسبة والمطلوبة، في مرحلة من مراحل تقدم المرض وانتشاره. وكان التحدي الرئيس، رفع ثقافة المجتمع نحو هذا المرض المستجد، وفهم مخاطره الجمة، التي لا تنحصر في مجرد دخول المستشفى، بل في تعرض الناس لخطر الموت، والاقتصاد لكساد وانكماش عميق. وللعالم تجارب جمة وكثيرة في مثل هذه الأمراض الخطيرة والسريعة الانتشار بين الناس، بسبب عدم استيعابهم خطورة المرض مبكرا، وعدم التزامهم بشروط الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي.

وفي معركتنا مع فيروس كورونا، طورت وزارة الصحة خططها، وحصلت على دعم سخي من الدولة بأكثر من 47 مليار ريال، كما دعمت المملكة منظمة الصحة العالمية بمبلغ 500 مليون دولار من أجل تسريع الجهود العالمية لاكتشاف لقاح للفيروس يمكن من خلاله إيقاف انتشار المرض. وفي جانب الاستعدادات والتجهيزات، عملت وزارة الصحة، من خلال قيادة المملكة دول مجموعة العشرين، على تسهيل تبادل الخبرات والتجارب الدولية في التعامل مع هذه الجائحة، وأنشأت الوزارة مركزا للقيادة والتحكم، يعمل على مدار 24 ساعة، لمتابعة جميع الأعمال التشغيلية للوزارة في أنحاء السعودية، لضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وتقديم الرعاية الصحية المناسبة، ومتابعة كفاءة أعمال المستشفيات والمراكز الصحية، وتم تخصيص أكثر من 230 عيادة في جميع المناطق للكشف المبكر، ومعالجة المرضى بشكل سريع، وتم تفعيل التقصي الوبائي.

وهناك اليوم أكثر من 20 محطة فحص بالسيارات لخدمة الذين لا يشكون أعراضا، كما تم تطوير تطبيقات كان لها أثر فاعل في مجابهة المرض، من أهمها تطبيق "صحتي". وبالفعل، نجحت السعودية في تنفيذ خطتها لمواجهة الجائحة، وكانت وما زالت، بين الدول المتقدمة، بالنجاح في السيطرة على انتشار الفيروس، وفق الإحصائيات الرسمية. وعلى ذلك، أكد وزير الصحة أن شعب المملكة يجني اليوم ثمار جهود الفترة السابقة، في الالتزام بالاحترازات الصحية، فانخفض عدد الحالات عموما، وانخفضت الحالات في العناية المركزة خصوصا. كل هذا ورغم تداعيات الجائحة على جميع دول العالم، إلا أن ما حققته السعودية من نجاحات تعد مكاسب علينا جميعا الحفاظ عليها. وعظيم الشكر نرفعه للقيادة، على النهج الذي اتبعته المملكة في التعامل مع الوباء ووضع الإنسان وصحته في مقدمة القرارات كلها، والتضحية بالمال مهما بلغ لتحقيق هذا الهدف، حيث تم علاج من هم على أرض المملكة كافة دون تمييز، حتى لو كانوا من مخالفي الإقامة النظامية. لذا، فإن علينا أن ندرك اليوم كمجتمع حجم هذه التضحيات، ومقدار العمل الذي تم، فبينما هناك دول وصل فيها الوباء إلى أرقام قياسية، وما زال ينتشر هناك، نشهد اليوم هذا الانحسار للمرض، لكنه رغم انحساره ونجاح الخطط في تحييده حتى الآن، فإنه موجود.

لذلك، نوه وزير الصحة في كلمته الأخيرة، بأن عددا من دول العالم يشهد موجة ثانية وقوية لفيروس كورونا، وأن سبب تلك الموجة الثانية هو عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي أو التهاون في لبس الكمامة وتغطية الأنف والفم، وعدم الالتزام بتقليل التجمعات ومنع المصافحة. لهذا، فإن عودة الفيروس إلى الانتشار لم تزل محتملة، لكنها عودة مشروطة بعودتنا إلى التساهل، فالمجتمع اليوم مدعو أكثر من أي وقت سابق إلى عدم تقويض تلك الجهود الجبارة، التي سخرتها المملكة لنصل إلى هذه المرحلة حاليا، ولا بد أن يحرص الجميع على تطبيق الإجراءات الاحترازية والمساهمة في نشر ثقافة الالتزام، فهي التي تسهم - بإذن الله - في الوقاية من فيروس كورونا، والحد من انتشاره، حفاظا على صحة وسلامة أفراد المجتمع كافة.

ومع قرب الوصول إلى لقاح، وتأكيد وزير الصحة أن السعودية ستوفر اللقاح حال التوصل إليه وفورا، فإن ذلك لا يعني التهاون الآن، ويجب عدم الربط بين اكتشاف اللقاح واختفاء المرض، فلن يحدث هذا الوضع في لحظة واحدة، وسيكون هناك سباق مع المرض. لكن إذا التزم المجتمع بالوقاية من المرض والالتزام بالاحترازات واستمرت الأعداد في الانخفاض، فإن وصول اللقاح سيعني القضاء عليه من أرض المملكة تماما، فالجهود متواصلة ومترابطة، ويجب عدم التهاون، خاصة الآن، ونحن قريبون من نسب تعاف تجاوزت 96 في المائة، وحالات إصابات في انخفاض.

إنشرها