Author

الاقتصاد الإيراني نحو الحضيض

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"اقتصاد إيران في حالة من الفوضى بسبب العقوبات الأمريكية"
إليوت أبرامز، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران
يدخل الاقتصاد الإيراني في أزمة تلو الأخرى بصورة متوالية دون هدنة. ولا توجد حتى مساحة ضيقة لالتقاط الأنفاس، وسط مكابرة لا تنتهي من جانب المرشد علي خامنئي. وهذه المكابرة ليست جديدة، وتعود في الواقع إلى عقود خلت، مدفوعة بأوهام يتعاطى معها النظام الإيراني كحقائق، ما برر بالطبع الانتفاضات التي قام بها الإيرانيون مرارا، وجوبهت بأقوى أشكال العنف والظلم والوحشية. والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد ليست جديدة، لكنها تتفاقم وتتحول بسرعة البرق من شيء إلى أسوأ، وزادت عليها الآثار السلبية المخيفة التي يتركها تفشي وباء كورونا المستجد في الأرجاء، فضلا عن العقوبات المتتالية التي تفرضها الولايات المتحدة على هذا البلد بسبب تحديه للمجتمع الدولي ومواصلته الاستراتيجية التي لا يعرف نظام خامنئي غيرها. إنها ببساطة استرتيجية الخراب.
القطاع المالي الإيراني وصل إلى مرحلة العزل شبه التام، وهذا متوقع في ظل آليات التضييق التي تستخدمها الإدارة الأمريكية. ورغم أن هناك مزيدا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية في الطريق، وتنتظر واشنطن الوقت المناسب لفرضها أو لإضافتها إلى منظومة العقوبات ككل، إلا أن اقتصاد إيران وصل إلى حافة الانهيار. وهذه ليست مبالغة لو استندنا إلى تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين أنفسهم، الذين تجرأوا وطرحوا شيئا من الحقيقة. فضلا عن الأوضاع الواضحة على الساحة المحلية في البلاد. الخنق المالي الأمريكي، جعل إيران عاجزة حتى عن تمرير معاملات مالية سرية مع بعض الجهات التي تعمل لحسابها. فالعقوبات تهدد - كما هو معروف - أي جهة تقبل التعامل مع النظام الإيراني بصرف النظر عن هويتها أو جنسيتها. أضف إلى ذلك أن الشح المالي عطل تلك المعاملات السرية التي اعتمدتها طهران في الفترة الماضية.
قبل أيام أعلنت الإدارة الأمريكية عقوبات على 18 مصرفا إيرانيا رئيسا، ما شكل ضربة موجعة جديدة لطهران، ضمن سياسة ما يسمى الضغوط القصوى الأمريكية. وبهذه العقوبات يمكن القول: إن القطاع المالي صار محاصرا من كل الجهات، خصوصا بعد رفض المصارف والبنوك الأوروبية منذ أشهر التعامل مع طهران خوفا من الغضب الأمريكي المعهود بهذا الخصوص. فالمؤسسات المالية الأوروبية رفضت حتى تشجيع حكوماتها للعمل مع إيران، وكذلك فعلت شركات كبرى تخارجت منذ وقت من الساحة الإيرانية. وهذا المنفذ الذي كان النظام الإيراني يأمل في استخدامه كمسار مالي إنقاذي لا أثر له في الساحة، بما في ذلك فشل آليات التعاملات المالية الأوروبية - الإيرانية التي أنشأتها المفوضية الأوروبية قبل عدة أعوام للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
وهناك تكمن المشكلة الكبرى أمام الحكومة الإيرانية. فقانون العقوبات الأمريكية يتضمن فقرة محورية يطلق عليها العقوبات الثانوية، بمعنى أن أي دولة أو مؤسسة أو شركة أو جهة تواصل عمليات التجارة مع إيران، ستتعرض حتما لخطر منعها من الوصول إلى السوق الأمريكية وقطاعها المالي. هذه العقوبات وغيرها من تلك التي فرضت في السابق، دفعت إليوت أبرامز المبعوث الأمريكي الخاص لإيران إلى التأكيد أن الجهود الأمريكية لتعطيل قدرة النظام الإيراني على تنفيذ أجندته الخبيثة، لاقت نجاحا حقيقيا بكل المقاييس. ويعتقد المسؤول الأمريكي، أن نظام خامنئي هو اليوم أضعف مما كان عليه عندما تولى الرئيس دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة. وهو كذلك بالفعل، ولا سيما وهو يواجه العجز في تمويل آلته الإرهابية، ما أدخل تنظيمات تخريبية تابعة لخامنئي في أزمات مالية كبيرة.
على الساحة الداخلية الإيرانية كل شيء يسير نحو الكارثة، سواء عن طريق الانهيار الذي يشهده التومان، أو من خلال التصاعد المتواصل للبطالة والتضخم والعجز في الموازنة، فضلا عن زيادة أعداد الإيرانيين الذين انضموا إلى عديد من الفقراء، وسط تردي الأوضاع المعيشية والخدماتية في كل أنحاء البلاد. ومع تفشي وباء كورونا زادت الضغوط على الاقتصاد الإيراني، إلى درجة أن اعترف خامنئي علنا، أن "المشكلات الاقتصادية للبلاد ستزداد سوءا في حال تفشي الوباء بشكل واسع". لكن المصيبة الكبرى التي يواجهها هذا الاقتصاد تبقى السياسات العدوانية التي تنتهجها طهران منذ عقود، وأنتجت أعداء للبلاد، وأجبرت حتى من تبقى لها من أصدقاء على عزل أنفسهم عنها، ودفعت المجتمع الدولي إلى تصنيف إيران كدولة مارقة.
الاقتصاد الإيراني يعاني أصلا انكماشا كبيرا بلغ وفق صندوق النقد الدولي 5.5 في المائة عام 2018، وفي العام الماضي سجل 7.6 في المائة، في حين تشير التوقعات إلى بلوغه أكثر من 6 في المائة في العام الجاري. ولو أضفنا الأزمة التي يتركها وباء كورونا إلى المشهد العام، فإن هذا الانكماش قد يصل إلى 10 في المائة مطلع العام المقبل. لا يوجد مخرج أمام النظام الحاكم في طهران، إلا بتغيير استراتيجيته التخريبية التي اعتمدها منذ عقود، وهذا شرط أمريكي معلن وواضح تتفق معه أغلب الدول. ولا يبدو أن هناك مؤشرا لمثل هذا التغيير، فالخيارات السيئة التي يتخذها ستضيف مزيدا من الضغوط عليه، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية بصورة مستمرة.
إنشرها