Author

الملاءة الرقمية والمتغيرات التجارية

|

حول تفشي وباء كورونا المستجد إلى الأبد كثيرا من مسار العادات التي كانت سائدة قبله، كما غير حتى في بعض مفاهيم الحراك الاقتصادي عموما. السبب معروف للجميع، ويرتبط بصورة مباشرة بأن هذا الوباء أوقف وعطل نشاطات الاقتصادات كلها، وكشف مدى أهمية التغيير في بعض الآليات المحركة له. بل، لنقل: إنه فرض آليات التغيير هذه، في قطاعات مختلفة، من بينها قطاع التسوق والتجارة الإلكترونية، فضلا عن أن الوباء شجع على الاستثمارات في المجالات التقنية، بما في ذلك الحلول الرقمية.

لذلك، لم يكن غريبا أن الميدان الإلكتروني الرقمي لن يتأثر سلبا من جراء تفشي كورونا، بل العكس تماما، شهد انتعاشا كبيرا مع ارتفاع حجم الحراك في هذا الميدان. فالقطاع الإلكتروني كان الرابح الأول من الجائحة، إلى جانب قطاع الصحة والأدوية وما يرتبط به.

ولعل أكثر التجارب قربا للناس، هي تلك التي تختص بالتسوق الإلكتروني، الذي ازدهر بصورة قياسية لم يسبق لها مثيل. وفي الواقع، فإن هذا القطاع شهد قفزات نوعية حتى قبل تفشي كورونا عالميا، إلى درجة أنه دفع محال تجارية معروفة وشركات تعمل في ميدان التجزئة إلى الخروج من السوق نهائيا. فالمزايا التي يوفرها هذا النوع من التسوق كبيرة، بما في ذلك التوصيل وإمكانية الاستبدال، بل إرجاع السلع دون أي تبعات مادية أو غرامات.

حتى إن بعض مؤسسات التجزئة ابتغت نظام التسوق الافتراضي، حيث يستطيع المتسوق أن يجول بين الأروقة وهو جالس في منزله، أضف إلى ذلك، أن هذا النوع من التسوق، يسهم إيجابيا في تقليل معدلات الازدحام في المدن، وبالتالي خفض مستويات الانبعاثات الكربونية والتلوث.

وتعزز هذه المتغيرات في مجالات التسوق والتجارة الإلكترونية، مجموعة من الدراسات الاستقصائية، كان آخرها تلك التي قام بها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، وأظهرت أن سلوكيات التسوق بعد كورونا تغيرت بالفعل، وهي ماضية قدما في مسار مزيد من التغيير في المستقبل.

فقد أظهرت الدراسة المشار إليها، أن أكثر من نصف المشاركين فيها، أكدوا أنهم يتسوقون بالكامل عبر الإنترنت، في حين أن دراسات مشابهة أجريت في عدد من الدول الأوروبية، أظهرت أن أكثر من 60 في المائة من الذين قبلوا المشاركة فيها، يقومون بمشترياتهم وتلبية احتياجاتهم، بما فيها الخدمات، عبر الشبكة الدولية. مع ضرورة الإشارة مجددا إلى أن مسار التجارة الإلكترونية كان يمضي تصاعديا قبل الوباء بأعوام، في نسبة كبيرة من الدول.

هذه التحولات دفعت دولا عديدة إلى العمل السريع من أجل بناء قدراتها الإلكترونية أو تدعيمها لمواكبة الطلب المتنامي في هذا المجال الحيوي. وهناك نقطة مهمة في هذا المجال، تنحصر في أن التجارة الإلكترونية ستواصل الارتفاع بقوة في أعقاب الانتهاء من الجائحة، لسبب بسيط جدا، وهو أن هذه التجارة ازدهرت في الواقع في عز الركود الاقتصادي، فمن الطبيعي أن تنتعش أكثر عندما يصل العالم إلى مرحلة الانتعاش.

ولا بد الآن من تدعيم ما يمكن تسميته "الملاءة الرقمية" في الميادين كلها، وأن يكون هناك إنفاق متناسب مع المتطلبات في هذا المجال، وتهيئة البنى التحتية في بعض الدول التي لم تكتمل بنيتها الرقمية بعد. والمؤسسات الدولية المعنية، تنادي بضرورة التأهيل الرقمي العالمي، للتعاطي مع المتغيرات التي فرضها التطور وكذلك الجائحة.

إنشرها