Author

رسالة السعودية .. السلام والعون

|

يتذكر العالم بأسره، كلمات خادم الحرمين الشريفين، في افتتاح اجتماعات قمة الدول العشرين الطارئة، التي عقدت عن بعد، فخلال كلمته الضافية، قال "نعقد اجتماع القمة الاستثنائية لمجموعة العشرين تلبية لمسؤوليتنا بصفتنا قادة أكبر اقتصادات العالم لمواجهة وباء كورونا العالمي"، مطالبا قادة دول مجموعة العشرين بمد "يد العون" للدول النامية لمواجهة أزمة كورونا.

هذه العبارات التي سطرت بوضوح الرسالة العالمية للحكومة السعودية، رسالة الإسلام الخالدة، رسالة السلام لكل العالم، حتى في ظروف تمثل وضعا مقلقا لكل العالم، فإن السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، لا تنسى دورها العالمي. أكد الملك سلمان أن "تأثير وباء كورونا العالمي توسع ليشمل الاقتصادات والأسواق المالية والتجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتسبب أيضا في عرقلة عجلة التنمية، وأثر سلبا في المكاسب التي تحققت في الأعوام الماضية، وأن الأزمة الإنسانية التي خلفها وباء كورونا العالمي، تتطلب استجابة عالمية، ولا بد من تنسيق استجابة موحدة لمواجهته وإعادة الثقة بالاقتصاد العالمي".

ومع اقتراب موعد انعقاد قمة الدول العشرين في موعدها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فإن العالم كله يتطلع إلى الرياض من أجل تحقيق الآمال المنشودة في أن تكون قرارات القمة تحفيزية للاقتصاد العالمي، ليخرج من كبوته التي إصابته من جراء انتشار فيروس كورونا.

لكن تشير التقارير الاقتصادية، التي تنشرها المؤسسات الدولية، إلى أن الأضرار الاقتصادية الناشئة من مرض كوفيد - 19، قد حدثت، والمشكلة القائمة حاليا هي في برنامج المساعدات العالمي، الذي تشير التقديرات الأولية إلى أنه سيخسر نحو 12 مليار دولار، وفي حال حدوث تفشي موجة ثانية من الوباء، فإنه سيضاف إلى خسائر برنامج المساعدات العالمي 15 مليار دولار أخرى، ما يعني تراجع إجمالي برامج المساعدات العالمية بنحو 27 مليار دولار، أي ما يوازي توقف برنامج مساعدات الاتحاد الأوروبي بالكامل، وهذا أمر مقلق جدا، للدول الفقيرة، وأيضا للدول التي تقف اليوم صامدة وتعمل على تحفيز اقتصادها واقتصاد الدول الفقيرة.

حيث أشار محللون اقتصاديون عالميون إلى أن المملكة ما زالت تقدم أكبر قدر من الأموال إلى إفريقيا جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة.

لكن الوضع يزداد سوءا، حيث نشرت "الاقتصادية" حديثا لعدد من الباحثين الدوليين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يؤكدون فيه أن "1.1 مليار شخص يعيشون في أقل الدول نموا في العالم، بمتوسط ناتج محلي إجمالي حقيقي للفرد يبلغ 922 دولارا، أي ما يعادل 9 في المائة من المتوسط العالمي، وأن هناك 18 دولة من أصل 47 من أفقر الدول التي حددتها المنظمة الدولية، في حالة ضائقة ديون أو معرضة بشدة لضائقة الديون، وأن عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع، أي أولئك الأشخاص الذين يكسبون أقل من 1.90 دولار في اليوم سيرتفع من 70 إلى 100 مليون شخص هذا العام بسبب فيروس كورونا، وباستخدام معايير أشمل، بمن في ذلك أولئك الذين يفتقرون إلى المأوى الأساسي أو المياه النظيفة، والأطفال الذين يعانون الجوع، فإن صفوف الفقراء ستتضخم إلى ما يراوح بين 240 و290 مليون شخص.

لعل المشهد كان سيصبح أكثر تعقيدا لو أن الضرر قد تجاوز حزمة المساعدات الدولية إلى تعرض سلاسل الإمداد لعطب حقيقي، فإن الأضرار حينها قد تصعب معالجتها في القريب، وهذا يزيد من قتامة المشهد الاقتصادي للدول الأشد فقرا.

وفي وسط هذا الوضع المزري للاقتصادات الفقيرة نتيجة وباء كورونا، أكد الباحثون والمحللون الاقتصاديون كافة، الذين نشرت "الاقتصادية" آراءهم، أن الدور الذي قامت به مجموعة العشرين في دورتها الراهنة تحت رئاسة السعودية، يعد نموذجا يحتذى للمنظمات والمؤسسات الدولية، في كيفية مد يد العون بطريقة حقيقية لإنقاذ الاقتصادات الفقيرة.

وهنا نعود لنشير إلى الأثر الكبير الذي تركته كلمات الملك سلمان، ونظرته بعيدة المدى لعمق مشكلة انتشار فيروس كورونا وامتداد تأثيره في الدول الفقيرة. كانت توجيهاته للعالم أجمع عندما طلبت المملكة عقد القمة في آذار (مارس) الماضي، أي في وقت مبكر من انتشار الفيروس، وكلماته التي شدد فيها - حفظه الله - على مد "يد العون" للدول النامية، وضعت الأسس السليمة لمسار المجموعة الدولية، الذي يجب عليها المضي فيه.

وهنا يقول أحد الخبراء، إن "الدور الذي قامت به مجموعة العشرين يمثل علامة فارقة في كيفية الحيلولة دون مزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدول الفقيرة، أو على الأقل تزويدها ببعض الطاقة الاقتصادية لتمكنها من مواجهة الأوضاع المتعثرة"، حيث أبرمت اتفاقا لتخفيف أعباء الديون.

وعلى الرغم من أن الاتفاق يغطي الديون الثنائية، أي قروضا من الحكومات الأخرى، فإنه يغطي في نهاية المطاف نصف إجمالي خدمة الدين لهذه الدول. كان العالم بحاجة إلى قيادة السعودية له، لمركزها وثقلها الاقتصادي، في وقت صعب ودقيق، وسيظل يكتب بمداد من ذهب توجيهات القيادة السعودية، التي أنقذت الدول النامية من كارثة عالمية كبرى.

إنشرها