منصة مدرستي .. الثغرات والتقييم
فرضت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وتسببت في إغلاق كثير من المدارس خوفا من تفشي الوباء بين طلاب وطالبات المدارس بشكل أكبر وأسرع، لجوء كثير من وزارات التعليم ومنشآته حول العالم إلى مواصلة التعليم عن بعد واستمراره عبر الإنترنت.
يقال: إن هناك بلدة عربية اشتهر سكانها بالكسل فلما سئل أحد أهلها عن أول عمل يقوم به بعد استيقاظه من نومه العميق، فأجاب بأنه يرتاح، كانت هذه طرفة متداولة إلى حد قريب قبل أن تبدأ منصة مدرستي أسبوعها الأول من هذا العام بالصيانة والتوقف لمدة طالت عدة أشهر وليس مجرد ساعات كقصة رجل البلدة سالف الذكر.
فإذا كانت الوزارة قد بدأت التعليم عن بعد منذ منتصف الفصل الثاني للعام المنصرم، وبالتالي كان جميع المعلمين والمعلمات قد مارسوا عملية التعليم عن بعد تلك الفترة، كما تم الإعلان عنه ذلك الوقت، فلماذا يجد المعلم والمعلمة والطالب والطالبة صعوبة في استخدام منصة مدرستي في العام الجديد؟ ولماذا نجد الوزارة تستمر في تدريب المعلمين والمعلمات على استخدام المنصة بعد مرور أسبوع وأسبوعين من بداية العام الدراسي الحالي؟ وذلك على حساب وقت الطلاب والطالبات الذي كان من المفترض حصولهم على تعليم في أثناء اليوم الدراسي بدلا من إشغال من يعلمهم بالتدريب.
علما أن عودة الكادر التعليمي سبقت بداية الدراسة بأسبوع كامل، فلماذا لم تستغل تلك الفترة لتدريب الكادر التعليمي على استخدام منصة مدرستي؟
والسؤال: ألا توجد طرق لشرح استخدام المنصة عبر إنتاج فيديو يمكن لأي معلم ومعلمة مشاهدته على موقع الوزارة بدءا من الدخول على رابط المنصة وانتهاء بوضع الواجبات وتقييم نسبة الحضور وغيرها دون الحاجة إلى دورات تدريبية تشغل الكادرين التعليمي والإشرافي على حد سواء.
إذا كانت الإجابة بنعم، فهناك بالفعل شروح بالفيديو على موقع الوزارة، فهل هذه الشروح كافية ووافية وبلغة بسيطة يفهمها حتى غير المختصين بعلوم التقنية؟ ولماذا يلجأ المعلمون والمعلمات إلى مساندة بعضهم عبر الشروح المقدمة منهم من خلال قنواتهم على "يوتيوب" التي تحصد مئات الآلاف من المشاهدات إذا كانت هناك شروح كافية مقدمة من الوزارة؟
وما السبب في انتشار إعلانات المعاهد الخاصة والتجارية لتقديم تدريب للمعلمين والمعلمات على استخدام منصة مدرستي مقابل رسوم؟ ولماذا يضطر المعلم والمعلمة لدفع تلك الرسوم إذا كان ذلك متاحا بشكل مجاني وبسيط على موقع الوزارة؟
فمثلا لجأ القطاع الأهلي في التعليم إلى استخدام منصات خاصة وبسيطة لضمان استمرار التعليم بسهولة لكل من المعلم والطالب على حد سواء، فضلا عن تقديمهم شروحا مبسطة لمنصاتهم المستخدمة، حتى الآن لم تواجه أولياء الأمور والمعلمين مشكلات تذكر، وإن وجدت فيتم حلها سريعا. ألم يكن من الأسهل للوزارة لو قامت بذلك واستخدمت منصات سهلة بعيدا عن التعقيد والمشكلات التي تتطلب التحديث المستمر وتغيير أدوات الاستخدام داخل منصتها بين حين وآخر؟
هذا فضلا عن عدم قدرة الوزارة على متابعة سير العملية التعليمية بشكل دقيق ومدى انتظام المعلمين والمعلمات بالحضور وإنصاف جهودهم المبذولة.
وما القضية التي قرأها الجميع أخيرا في مواقع التواصل الاجتماعي إلا شاهد على ذلك التي وقعت على مئات المعلمات بإحدى مناطق المملكة حتى وصل الحال إلى رفعه على "هاشتاق" قبل أن يصل إلى ترند على موقع تويتر الشهير، حيث شهرت ونشرت مكاتب التعليم في تلك المنطقة أسماء مئات المعلمات بأنهن لم يستخدمن المنصة ولم يحضرن لأداء واجبهن التعليمي، بينما رد كثير من تلك المعلمات بقوة وشككن في البيان واتهمن الإدارة بعدم الدقة وناشدن وزير التعليم بالتدخل وإنصافهن وحماية حقوقهن وخصوصياتهن، فهل هضم حقوق معلمة قامت بواجباتها وحضرت منذ بداية العام وتشهد لها طالباتها وقائدة مدرستها بذلك يدل على حسن عمل المنصة وقدرتها على الرصد الدقيق والمنصف؟
فضلا عن عدم احترام خصوصياتهن بنشر سجلاتهن المدنية مرفقا جوارها رقم هاتفها الجوال ومقر عملها التي ربما تدخل ضمن الجرائم المعلوماتية، هذه مجرد آثار من منصة مدرستي أدت إلى تبعات من ضمنها عدم قدرة مكاتب الإشراف على رصد الحضور والغياب من خلال المنصة بشكل سليم وتبعات أخرى من خلال سوء تعامل مكاتب التعليم مع بيانات المعلمات.
وأخيرا وليس آخرا، فقيام الوزارة باستخدام التعليم عن بعد يعد حرصا منها على استمرار التعليم وعدم انقطاع أبنائنا وبناتنا عنه رغم كل الظروف.
وهذه خطوة جميلة في حد ذاتها إلا أنها تحتاج إلى عملية تقييم مستمرة ودقيقة وملاحظة عميقة لتتبع أي ثغرات أو أخطاء لسرعة علاجها لضمان سير التعليم وتحقيق المستهدفات من هذه التجربة الجديدة على مجتمع الوزارة والمستفيدين منها. ولا شك أن كل تجربة جديدة قد يواجهها بعض الأخطاء في أثناء التطبيق من خلال رصد الملاحظات المقدمة من المستخدمين ومعالجة الخطأ أينما وجد.
ختاما: لا يمكن لأي منصف إنكار الجهود المبذولة من وزارة التعليم بطريق التعليم عن بعد، لكننا من خلال إبداء بعض الملاحظات التي نراها كأولياء أمور أو نسمعها من المجتمع التعليمي فإننا نسهم برصد تلك العقبات التي واجهت من سبق ذكرهم لمحاولة إيصال صوتهم للمعنيين في الوزارة. وكلنا ثقة بالدكتور حمد آل الشيخ وزير التعليم، ومتابعته المستمرة، وقدرة فريق العمل في الوزارة، على معالجة الأخطاء، وكل ما من شأنه تحسين جودة العملية التعليمية.