Author

تصدع النظام المالي الإيراني

|
المشهد العام في إيران الفارسية ينم عن تصدع وشيك للنظام المالي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والقطاع الخاص في إيران يدفع ثمن فواتير حروب طائفية ورط النظام الإيراني نفسه فيها، بدءا بالحروب الطائفية في سورية، ولبنان، والعراق.. حتى جماعات الحوثي الإرهابية في اليمن، ونعرف جميعا أن فاتورة هذه الحروب باهظة الثمن، وهي بالنسبة للشعب الإيراني إنفاق ضخم من أجل نشر الدمار والحروب بعيدا عن مشاريع التنمية والبناء.
ووفقا لرؤية بول كندي أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات الأمريكية في نظريته الشهيرة عن أسباب اضمحلال الدول على مر التاريخ قال: إن الدول تسقط إما بسبب الأزمات الاقتصادية، أو بسبب الحروب بكل أشكالها وألوانها. وبالنسبة للشق الاقتصادي في نظرية بول كندي فقد سجل الريال الإيراني في الأسبوع الماضي أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل الدولار، وتداولت محال الصرافة الدولار الواحد مقابل 200 ألف ريال إيراني.
ومن ناحية ثانية فإن سعر اليورو وصل إلى نحو 275 ألف ريال إيراني، وبلغ الجنيه الاسترليني نحو 300 ألف ريال إيراني، والفرنك السويسري وصل إلى 255 ألف ريال إيراني.
ورغم الوعود التي أطلقها محافظ البنك المركزي الإيراني بالسيطرة على أسعار الصرف، إلا أن العملة الإيرانية تواصل تدهورها وانخفاضها المستمر، ولقد أدت الزيادات في أسعار العملات الصعبة إلى انخفاض احتياطيات إيران من العملات الأجنبية، وهذا التدهور الاقتصادي الذي تشهده إيران أدى إلى انسحابات كثيرة من عقود المشاريع الكبرى في مختلف مدن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث انسحبت روسيا من مشروع ضخم للقطارات، كذلك انسحبت شركات هندية من مشروع كبير لتطوير خطوط سكك حديدية تربط بين المدن الإيرانية الرئيسة.
ويأتي هبوط الريال الإيراني وسط عقوبات أمريكية مشددة أعلنها ترمب على حكومة الملالي في طهران، ومن ناحيتهم فقد حث المسؤولون في وزارة التجارة الإيرانية التجار الإيرانيين على استعادة عائداتهم من العملات الأجنبية من الخارج، وحذرت وزارة التجارة الإيرانية من أنها ستلغي تراخيص التصدير للإيرانيين الذين لا يمتثلون لأوامر الحكومة الإيرانية، كذلك حذر البنك المركزي الإيراني أنه سينشر أسماء المخالفين، ويشهر بها ويتخذ عقوبات مشددة حيالها.
ويتوقع المراقبون أنه من أخطر النتائج التي ستترتب على تراجع الريال الإيراني أمام الدولار على هذا النحو ارتفاع معدلات التضخم، وصعوبة السيطرة على الأسعار في السوق، بمعنى أن الاقتصاد الإيراني سيخرج عن سيطرة الحكومة قريبا جدا، وسيضطر الشعب الإيراني إلى الخروج إلى الشارع ويعلن التمرد على الحكومة.
أكثر من هذا فإن نزيف العملة الإيرانية أمام الدولار وأمام جميع العملات الصعبة لن يتوقف، وينتظر أن يزيد نزيف العملة الإيرانية مع قلة عرض العملات الصعبة في السوق، وأيضا مع التضخم المهول الناجم عن العقوبات الغربية على القطاعين النفطي والمصرفي الإيرانيين، فإن الاقتصاد الإيراني سيعاني كثيرا، وستدخل إيران قريبا في نفق يصعب الخروج منه.
إن الريال الإيراني في السوق الإيرانية الآن يسعر بسعرين، سعر مرجعي حكومي، وهو الذي يتعامل به البنك المركزي ومتاح لاستيراد السلع الأساسية فقط، وسعر آخر أقل بكثير تحدده سوق سوداء تقودها شركات صرافة يشتري منها الإيرانيون احتياجاتهم من العملات الأجنبية الصعبة.!
هذا عن الشق الاقتصادي، أما بالنسبة للحرب فإن إيران تمارس مع العالم مجموعة من سياسات حافة الهاوية، وتخوض مع الغرب بالذات معركة قد تؤدي إلى خوض حرب عسكرية ضارية، فالحكومة الإيرانية تتبنى برنامجا نوويا طموحا، والغرب يرفض هذا البرنامج المدمر، ويدعو إيران إلى إلغاء البرنامج النووي الذي قد يؤدي إلى أن تصبح إيران دولة نووية تهدد جيرانها وتهدد السلم العالمي، كما أن الحكومة الإيرانية تدعم - كما ذكرنا - حكومة الأسد في سورية بالمال والسلاح، وهذه الحرب السورية الأهلية تنذر بسقوط نظام الأسد القمعي، كما أن الحكومة الإيرانية تنفق أموالا طائلة على الحوثيين في اليمن، كذلك تنفق أموالا طائلة على حزب الله الإرهابي في لبنان .
ونعرف جميعا أن سقوط نظام بشار الأسد يعني ضياع أهم قلاع إيران في العالم العربي، الأكثر من هذا أن سقوط نظام الأسد لا بد أن يترتب عليه سقوط حزب الله في لبنان، ولذلك فإن إيران إذا فقدت مواقعها في سورية، فإنها ستفقد كثيرا من مواقعها خارج إيران، وبالتالي فإن حلم الدولة الإقليمية الأقوى في منطقة الشرق الأوسط سيضيع من إيران كما ضاعت ثرواتها الهائلة في رمال بلاد الشام.
وختاما نعود إلى منطق نظرية بول كندي التي قال فيها: إن الدول تسقط بسبب مشكلات اقتصادية ضخمة أو بسبب الحروب المدمرة، والحقيقة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعيش الكارثتين معا فهي تكتوي بنار الأزمات الاقتصادية، وأيضا تعيش بعض الحروب التي تؤججها في منطقة تلتهب بالأزمات والصراعات والحروب المدمرة.!
إنشرها