FINANCIAL TIMES

التمويل المختلط يخفف العبء عن المزارعين في الدول الفقيرة

التمويل المختلط يخفف العبء عن المزارعين في الدول الفقيرة

عاملات في مزرعة كاكاو في جزيرة سولاويزي الإندونيسية.

تراجع محصول الكاكاو العالمي 12 في المائة منذ 2006، حين بدأ مزيج من الأشجار القديمة، وظروف التربة السيئة، والآفات، والأمراض، والممارسات الزراعية القديمة في عكس عقود من التقدم.
البيانات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة، تعد خبرا سيئا لجيش محبي الشوكولاتة على هذا الكوكب، لكن العواقب أسوأ بكثير بالنسبة لملايين المزارعين الصغار، الذين يسعون إلى كسب قوت يومهم من زراعة الكاكاو عبر أمريكا اللاتينية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.
انخفاض المحاصيل، هو أحد العوامل وراء الارتفاع المستمر في عدد الأشخاص، الذين يعانون الجوع - نحو عشرة ملايين شخص سنويا - وفقا للصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد". ومع أن هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة تدرك المشكلة منذ فترة طويلة، إلا أن حلها التقليدي المتمثل في تقديم قروض ميسرة للحكومات، لم يمنح المزارعين الموارد التي يحتاجون إليها.
لذلك يحاول "إيفاد" أن يتبع نهجا مختلفا، مع تركيز أكبر على رأس المال الخاص. منذ أيلول (سبتمبر) 2019، سمح لنفسه بالاستثمار مباشرة في المشاريع الريفية الصغيرة والمتوسطة الحجم. وفي نيسان (أبريل) 2020، نفذ أول استثمار مباشر له في القطاع الخاص، باستثمارة تسعة ملايين دولار في صندوق تديره شركة بامبو كابيتال بارتنرز، وهي شركة استثمار ذات تأثير اجتماعي.
صندوق بامبو، هو مثال على التمويل المختلط، حيث يستخدم رأس المال من منظمات متعددة الأطراف لجذب الأموال الخاصة. تستوعب أي خسارة مبدئيا من قبل المنظمات متعددة الأطراف، بما في ذلك "إيفاد"، ما يجعل الصندوق أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يكرهون المخاطرة.
يقول رون هارتمان، مدير المشاركة العالمية والشراكات وتعبئة الموارد في "إيفاد": "هناك إمكانات هائلة في هذا المجال، وفرصة هائلة للتعطيل، لأن نماذج الاستثمار والتمويل العادية، حققت نجاحا محدودا في العمل مع صغار المزارعين".
يضيف أن هناك حاجة إلى 200 مليار دولار سنويا للقضاء على الفقر في المناطق الريفية بحلول 2030، لكن المساعدة الإنمائية الرسمية تعادل أقل من 5 في المائة من هذا المبلغ. "أحد العناصر الرئيسة المفقودة بالنسبة لنا، هو التعامل مع القطاع الخاص. علينا إيجاد آليات وطرق تمكننا من الدخول في شراكات بين القطاعين العام والخاص، لتسهيل مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار في سكان الريف المهمشين".
تبين أن الأمر ليس بهذه البساطة والسلاسة. يقول هارتمان، إن معظم وكالات الأمم المتحدة "كافحت في بعض النواحي للعثور على الأدوات والآليات المناسبة، لتكون قادرة على إشراك القطاع الخاص. كانت التجربة متباينة للغاية".
صندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية نفسه أقام شراكات مع عدد من الشركات العالمية، بما في ذلك "مارس"، مجموعة الحلويات الأمريكية. هاتان المنظمتان تعملان مع الحكومة الإندونيسية لتحسين سبل عيش مزارعي الكاكاو في جزيرة سولاويزي.
عندما بدأ التعاون في 2012، كانت الإنتاجية تتراجع، لكن أصحاب الأراضي الصغيرة لم يتمكنوا من الحصول على التمويل، ولم يكن لديهم حافز يذكر للاستثمار على أي حال، نظرا لمحدودية وصول منتجهم إلى الأسواق. تجزئة الإنتاج بين مئات الآلاف من صغار المزارعين عملت أيضا على إعاقة اقتصاديات الحجم.
ضمن برنامج سولاويزي، قدمت الحكومة الخدمات العامة بما في ذلك البنية التحتية لتسهيل الوصول إلى الأسواق، وعرضت شركة مارس التكنولوجيا وضمانات الأسعار، وتعهد "إيفاد" بتخصيص 30 - 40 مليون دولار على شكل قروض ميسرة، لتمويل التدريب، وإعادة زراعة الأشجار القديمة.
يقول هارتمان، على الرغم من العقبات، يبدو أن المشروع كان ناجحا. ارتفعت الغلة 150 في المائة تقريبا، وضاعف أصحاب الأراضي الصغيرة دخولهم ثلاث أو أربع مرات.
المنظمات الأخرى بدأت الآن في تجربة ذلك ببطء وحذر. أطلق كل من تحالف "أي دي إتش تريد" IDH Trade، وهي هيئة للتجارة المستدامة تابعة للحكومة الهولندية، ووكالة التنمية الأمريكية USAID، ونيومان كافي جروبي Neumann Kaffee Gruppe ـ مقرها هامبورج ـ وبنك إيه بي إن أمرو وبنك بي إن بي باريبا، ورابو بنك العام الماضي، خط ائتمان متجدد بقيمة 25 مليون دولار، يطلق عليه اسم "تسهيل سبل عيش أصحاب القهوة الصغار".
يقول دان دي ويت، المتحدث باسم "أي دي إتش تريد"، إن صغار المزارعين يعانون عادة في الوصول إلى الاستثمار التجاري، لأن نقص البيانات المتعلقة بجدارة الائتمان لديهم مع الخوف من سوء الأحوال الجوية جعلهم يبدون محفوفين بمخاطر عالية.
التسهيلات الجديدة تشتمل على قروض مصرفية تجارية للتعاونيات أو مجموعات أخرى من مزارعي البن. إذا تعثرت الصفقة، فإن "أي دي إتش تريد" و"نيومان" ستستوعبان أول 10 في المائة من الخسائر. ثم تأخذ وكالة التنمية الأمريكية ما يعادل 40 في المائة من أي خسارة بعد ذلك، ما يخفف من الصدمة على بنوك القطاع الخاص.
تقول أجنيس يوهان، رئيسة قسم التمويل المختلط في رابو بنك، بينما تعمل المؤسسة الخيرية التابعة لهذا البنك الهولندي مع أصحاب الأراضي الصغيرة، فقد كافح البنك التجاري نفسه لجعل الأرقام ناجحة. تضيف: "الأمر معقد للغاية، لعدم وجود نموذج اقتصادي يسمح لك بإجراء تقييم للمخاطر على أصحاب الأراضي الصغيرة، لأنه لا تتوافر بيانات كافية".
إلى جانب السعي لإثبات أن أصحاب الأراضي الصغيرة لديهم القابلية للاستثمار من خلال مساعدتهم، تخطط "أي دي إتش تريد" لبناء قاعدة بيانات حول ما ينجح وما لا ينجح.
تقول يوهان: "سننشئ بيانات، لمعرفة ما إذا كانت المخاطر من أصحاب الأراضي الصغيرة هي فعلا عالية جدا أو ما إذا كان فقط ينظر إليها على أنها عالية. إنها قفزة في الظلام، لأنه لا أحد يعرف الجواب حقا".
تأمل "أي دي إتش تريد" منذ الآن في تكرار هذا النموذج على نطاق أوسع، مع إطلاق صندوق فارمفيت Farmfit، للسماح لصغار المزارعين في جميع أنحاء العالم النامي بالاقتراض على المدى الطويل لزيادة الإنتاجية.
يقول دي ويت: "في النهاية، يجب أن تكون هناك آلية للسماح لجميع أنواع المستثمرين بالاستثمار في الزراعة على نطاق صغير. نحن طموحون. من الواضح أن العالم المالي يحتاج إلى الاستثمار في أصحاب الأراضي الصغيرة لجعلهم قادرين على القفز من براثن الفقر".
في النهاية، قد يثير هذا معضلاته الخاصة. عادة تتطلب الزراعة الأكثر كفاءة عددا أقل من العمال، كما شهد العالم المتقدم في القرون الماضية. قد يكون ذلك مشكلة، إذا لم يتوافر عمل بديل لمن يستبعدون من العمل الزراعي.
تقول يوهان: "غالبا، لا يكونون مزارعين باختيارهم، بل يكون ذلك بحكم الأمر الواقع. هل تريد الاحتفاظ بكل هؤلاء المزارعين الصغار حقا، أم تريد العمل في الهياكل التي توسع قطع الأرض؟ هذا سؤال محرج، لأنه لا توجد طرق بديلة لكسب المال في هذه المناطق".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES