Author

الجيل الجديد من الخلايا الشمسية

|
سارت عملية التحول من الوقود الأحفوري إلى الخلايا الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى بشكل بطيء على مدى العقود القليلة الماضية، حيث لا تزال مصادر الطاقة غير المتجددة تهيمن على أنشطة توليد الطاقة على المستوى العالمي. وإلى أن تتوافر الإرادة السياسية الكافية وتصبح مصادر الطاقة المتجددة أرخص دوما من البدائل القائمة على الوقود الأحفوري، فمن غير المرجح أن يتحول العالم تحولا كبيرا وكافيا إلى الطاقة المتجددة.
ونظرا إلى أن أسعار مصادر الطاقة تختلف اختلافا كبيرا حول العالم، فمن الجيد عند المقارنة الاعتماد على مقياس يسمى مستوى تكلفة الكهرباء في منطقة ما، وهو يمثل تكلفة تشغيل المباني وفي النهاية معدل خروج مصدر طاقة واحد من الخدمة لكل كيلو واط / ساعة من الطاقة المنتجة. وفي المملكة المتحدة يعد الغاز الطبيعي أرخص مصادر الوقود الأحفوري، وتبلغ تكلفته 66 جنيها لكل ميجاواط / ساعة، بينما تبلغ تكلفة الخلايا الشمسية 80 جنيها لكل ميجاواط / ساعة. بينما في الولايات المتحدة تبلغ التكلفة المناظرة 36 دولارا لكل ميجاواط / ساعة و32 دولارا لكل ميجاواط / ساعة على التوالي، ما يعد أمرا واعدا للغاية.
وتتكون الأغلبية العظمى من الخلايا الشمسية المستخدمة اليوم من السيليكون المتبلور، وهذه هي الخلايا التي اعتدنا رؤيتها على أسطح المنازل وفي مزارع الطاقة الشمسية. وقد انخفض سعر الخلايا الشمسية المصنوعة من السيليكون المتبلور بشكل سريع منذ بدأت صناعتها عام 1977، وأصبحت بالفعل قادرة على المنافسة مع مصادر الطاقة غير المتجددة، بل تستمر الجهود البحثية والهندسية القوية سعيا لمزيد من خفض الأسعار.
ويمكن لخلايا السيليكون الشمسية أن تحقق كفاءة تحويل طاقة تصل إلى 26.7 في المائة لكل خلية متبلورة واحدة، بشكل يقترب من الحد الأقصى النظري البالغ 29.3 في المائة. ومع ذلك يمكن أن تنخفض هذه الكفاءة العالية بسرعة حال وجود خلل أو عيوب بسيطة في المواد المكونة. لذلك يجب معالجة هذه الخلايا في درجات حرارة عالية للغاية، ما يجعلها باهظة التكلفة ويجعل الوقت اللازم لتصنيعها طويلا. وفي الواقع تشير التقديرات إلى أن الأمر سيستغرق نحو 170 عاما لإنتاج خلايا السيليكون الشمسية الكافية لتوليد الطاقة اللازمة للكوكب كله.
والبديل لخلايا السيليكون غير العضوية هو الخلايا الشمسية العضوية التي تتكون من جزيئات تحتوي على تركيبات مختلفة من الكربون والأكسجين والهيدروجين والنيتروجين في المقام الأول. ويمكن تصنيع الخلايا الشمسية العضوية من السوائل في عملية مماثلة لرش الطلاء أو الطباعة عن طريق نفث الحبر. وتعرف هذه المواد بأنها محاليل قابلة للمعالجة ويمكن تصنيعها بإنتاجية عالية جدا وبتكلفة قليلة للغاية، بل يمكن وضعها فوق مواد مرنة. وعلاوة على ذلك ونظرا للمجموعات المختلفة من الجزيئات التي يمكن أن نختار من بينها فإننا نستطيع تعديل التركيب لتحقيق كفاءة أعلى، لكن مع الأسف فإن الخلايا الشمسية العضوية في ظل تصنيعها الراهن غير فعالة وغالبا ما تكون غير مستقرة تماما وتتحلل بمرور الوقت بسبب درجات الحرارة العالية أو الرطوبة الزائدة أو التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
إلا أن هناك تقنية جديدة لديها القدرة على الجمع بين أفضل خاصيتين في كل من خلايا السيليكون غير العضوية والخلايا الشمسية العضوية، وتعرف الخلايا الجديدة التي تستخدم هذه التقنية باسم خلايا البيروفسكايت الشمسية، وقد حققت هذه الخلايا نموا ملحوظا منذ نشأتها قبل عقد من الزمن، ما أدى إلى زيادة هائلة في الكفاءة من 3.8 في المائة إلى 25.2 في المائة.
وبشكل عام تعد خلايا البيروفسكايت مزيجا من الخلايا الشمسية العضوية وغير العضوية، فهي تجمع بين أفضل ما في الصنفين عندما يتعلق الأمر بالخصائص المادية. وخلايا البيروفسكايت مثلها مثل الخلايا الشمسية العضوية قابلة للمعالجة، وكذلك قادرة بشكل كبير على تجاوز الخلل والعيوب في المكونات، ويمكن تصنيعها في درجات الحرارة المنخفضة جدا وبسرعة كبيرة، ويمكن أيضا أن تطبع فوق مواد مرنة. أما المكونات غير العضوية في خلايا البيروفسكايت فتمنحها ميزة على الخلايا الشمسية العضوية من حيث التطوير لأنها تسمح للمادة بتحقيق كفاءة مستويات عالية جدا.
ونظرا إلى التركيبات المختلفة المتاحة، يمكن أيضا استخدام هذه الخلايا الشمسية الجديدة فيما يسمى بالخلية الشمسية الترادفية التي تتكدس فيها الخلايا الشمسية المختلفة فوق بعضها بعضا، وقد حققت خلايا بيروفسكايت السيليكون الشمسية الترادفية بالفعل كفاءة 29.1 في المائة، لكنها لا تزال تقنية قيد التطوير وستستمر على الأرجح وصولا إلى الحد الأقصى النظري البالغ نحو 38 في المائة.
ويتيح الجمع بين كل هذه الخصائص لخلايا البيروفسكايت الشمسية أن تكون خلايا شمسية رخيصة جدا وعالية الأداء وقادرة بشكل جيد على دفع التحول النموذجي من الوقود الأحفوري إلى الخلايا الشمسية في المستقبل القريب.
وبطبيعة الحال لم نشهد بعد هيمنة خلايا البيروفسكايت على سوق الطاقة الشمسية وغزوها للأسطح ولمزارع الطاقة الشمسية. ويرجع ذلك إلى أن خلايا البيروفسكايت الشمسية تعد تقنية أحدث من أن ترى في التطبيقات التجارية، فقد تم التوصل إلى الأغلبية العظمى من هذه النتائج المثيرة عموما من خلال تجارب مختبرية في ظل معطيات مقننة جيدا واستخدمت فيها خلايا شمسية صغيرة جدا بحجم طابع بريدي.
ومن المرجح أن تلعب خلايا البيروفسكايت دورا مهما في المستقبل القريب في مجال توليد الطاقة المتجددة. ونأمل أن تكون عنصرا رئيسا في خفض أسعار الخلايا الشمسية حيث تظل دوما دون أسعار الوقود الأحفوري، وتغير مشهد حصاد الطاقة في كوكبنا بشكل يقلل كثيرا من المساهمة بشرية المنشأ في تغير المناخ.
إنشرها