Author

موجة ثانية .. تداعيات أشد

|


تنتشر المخاوف حول العالم، ولا سيما في القارة الأوروبية والولايات المتحدة، من موجة جديدة لوباء كورونا المستجد، وطبقا لتقرير نشرته "الاقتصادية"، يقول بعض المختصين، إنها ستكون أقوى من الأولى. وبدا هذا واضحا في الأيام القليلة الماضية، من جراء ارتفاع أعداد المصابين بهذا الوباء بشكل مخيف، خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

وهذه الأخيرة سجلت - على سبيل المثال - 14 ألف إصابة في 24 ساعة فقط! في حين سجلت بريطانيا أكثر من ستة آلاف حالة، وزادت الإصابات في منطقة الغرب الأمريكي إلى مستويات قياسية في الساعات الماضية. والأمر ليس أفضل كثيرا في دول أخرى. وهذه الأرقام في ظل الوضع الصحي المسجل حاليا، دفعت بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، إلى مناشدة العالم للعمل المشترك المباشر، على مواصلة مقاومة كورونا هنا وهناك، بعيدا عن سياسات الانغلاق السائدة حاليا. الموجة الثانية من كورونا، ستعمق - بالتأكيد - الأزمة الاقتصادية، التي أفرزتها الموجة الأولى، في وقت تعاني الدول كلها الآثار السلبية المتردية في جميع القطاعات والميادين، ففي مؤشرات واضحة، حذرت عشر دول أوروبية من أنها اقتربت كثيرا من بدء الموجة الثانية من تفشي الفيروس المستجد.

فحتى اليوم، بلغت خسائر الاقتصاد العالمي أكثر من 20 تريليون دولار، وهذه الأموال الهائلة قامت الحكومات حول العالم - في الواقع - باقتراضها، ما رفع من مستويات الديون السيادية، حيث بلغت في بريطانيا وفرنسا أكثر من حجم ناتجهما المحلي الإجمالي. ولا شك في أن السلطات المختصة في دول العالم، ستعمد مجددا إلى إغلاق بعض القطاعات لمحاصرة الموجة الثانية المتوقعة. فالحكومة البريطانية، التي كانت سعيدة بفتح اقتصادها مجددا، أعلنت رسميا أنها تنصح من يستطيع تأدية عمله في المنزل فليفعل ذلك، ولا يذهب إلى مقر عمله، خاصة أن الخبراء حذروا من أن الشباب قد يكونون أكثر عرضة للخطر، حيث إن الموجة الثانية من الفيروس قادمة على الأرجح هذا الشتاء.

لا شك أن الضربة الكبرى للاقتصادات الوطنية كانت قوية، إلى درجة أنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل تفشي الوباء، في فترة قصيرة، فبعض الجهات تتحدث عن نهاية العقد الحالي، بينما حدثت متغيرات اقتصادية كبيرة جراء الأزمة الناجمة عن الوباء، بما في ذلك خروج مؤسسات وشركات من السوق، بل قطاعات بأكملها أيضا. والموجة الثانية المرعبة، ستسرع وتيرة الأزمة، وستدفع الحكومات إلى مواصلة برامج الإنقاذ، رغم الأعباء التي ستتركها على الاقتصادات في المدى البعيد وليس المتوسط. فالعودة إلى إغلاق هذه الاقتصادات، تعني - ببساطة - مزيدا من الخسائر، وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية في بعض الدول، ودخول أعداد جديدة من البشر إلى دائرة الفقر حتى في الدول المتقدمة.

بل حتى الإمدادات الغذائية ستتأثر بصورة أكبر، في حال ضربت موجة ثانية العالم بالفعل، ففي الفترة التي تم فيها إغلاق الاقتصادات، تم استنزاف معظم المخزون من السلع الغذائية الاستراتيجية. والمصيبة هنا، أن المدة ليست كافية بين إعادة فتح الاقتصادات وعودة معدلات الإصابة بكورونا إلى الارتفاع من جديد، لإعادة مراكمة المخزون الغذائي مرة أخرى، وذلك وفق برنامج الغذاء العالمي. بالطبع، الوضع الجديد المتوقع، سيضرب بقوة سلاسل توريد الغذاء وعمليات الشحن وقدراتها على مواكبة الطلب الاستهلاكي.

هذه أزمة واحدة من سلسلة أزمات ستتفاقم حتما في ظل موجة ثانية من الوباء المخيف، فالأزمات كثيرة، وتشمل كل شيء تقريبا، من التعليم إلى الصحة مرورا بالعمالة وآفاقها، فضلا عن القطاعات المحورية التي توقف بعضها تماما بسبب الموجة الأولى. كل هذا يجري، بينما لم يتحقق أي تقدم واقعي وملموس ومباشر على صعيد تحضير لقاح جديد لكورونا.

إن موجة جديدة من هذا الوباء، ستعمق الركود الاقتصادي أكثر، خاصة فيما يتعلق بتأمين سلاسل الإمداد في مجال الأمن الغذائي وتوفير السلع الأساسية، على أمل ألا يتحول مع الوقت إلى كساد يخشاه العالم أجمع.

إنشرها