Author

دولة مهيبة ورؤية سديدة 

|

تحتفل المملكة بيوم الوطن، يوم القرار التأريخي العظيم، للملك المؤسس - رحمه الله - بتوحيد السعودية، بعد أن أكمل سيرة ملحمية استمرت نحو 30 عاما من محاربة التبعية ودعوات الانقسام وحب العزلة. كان يوم التوحيد يوم اكتمال مرحلة من التحدي في نزع الخوف من قلوب الناس، خوفهم من بعضهم بعضا، خوفهم من العالم المحيط بهم، وعلى مستقبلهم أيضا. كان النداء من الرياض لأرجاء الوطن كافة واضحا، لا حياة لنا مع هذا العالم المتطور جدا من حولنا إلا بالوحدة، وأن ننصهر جميعا في هدف وطني واحد، في عقد اجتماعي على كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأن نضع ثقتنا بالملك المؤسس وأبنائه البررة من بعده، لا ننازعهم الأمر، يحكمون في الناس بالعدل، يحاربون الفساد والظلامية، والمرض والجهل فكان ذلك التاريخ، الذي تم فيه عقد الأمة، يوما وطنيا نحتفل به جميعا، ونجدد فيه البيعة والعهد والولاء، ونتذكر تلك الظروف التي قادت الملك عبدالعزيز، ومعه أبناء الوطن، لتقرير هذا المصير المشترك معا. وقد تكون هي نفسها الظروف الشبيهة تقريبا، التي تمر بنا اليوم من عالم مضطرب جدا، وأمراض فتاكة منتشرة، وفساد يسعى إلى النيل من الإنجازات وظلامية أو تبعية هدامة، عهد عبر الأجيال، أعزنا الله به.

لقد انتهت مرحلة اللبنات الأولى لهذه الدولة العظيمة يوم التوحيد، لتبدأ بعدها مرحلة بناء الدولة العصرية، رغم الموارد المحدودة جدا وانعدام أشكال رأس المال، لكن بفضل الله تم اكتشاف الحقول النفطية العظيمة، التي مدت البلاد برأسمال تم ضخه في شرايين الاقتصاد السعودي الضعيفة حينها، ثم استكمال هيكلة مؤسسات الدولة، وفقا للأسس الحديثة، وتطوير علاقات المملكة بالعالم. وقد جاء اللقاء التاريخي بين الملك المؤسس والرئيس الأمريكي روزفلت، تتويجا لتلك المرحلة، واستمر العمل في استكمال جهود البناء مع أبناء الملك عبدالعزيز البررة، بدءا بالملك سعود ثم الملك فيصل، الذي كانت خططه الاقتصادية في تاريخ المملكة لا تقل أهمية عن تلك القرارات العالمية في تلك الحقبة، كما تم تحديث النظام الاقتصادي كله، وإطلاق العملة الورقية، وتعزيز مكانة النفط، وإنجازات اجتماعية كبرى، وحراك سياسي دولي، وضع المملكة فعليا على خريطة صناع القرار العالمي. وتابع الملك خالد تلك الإنجازات، التي وصلت ذروتها في عهدي الملك فهد، والملك عبدالله من بعده ـ رحمهم الله ـ وخلال هذه الفترة الطويلة، اتبعت المملكة نهج خطط التنمية الخمسية. ورغم ما تحقق من إنجازات، فإن الاقتصاد السعودي والحراك الاجتماعي، كانا بحاجة ماسة إلى تطوير وخطة جديدة.

يمكن القول إن عهد الملك سلمان، جاء في اللحظة المناسبة تماما، لدعم النضج الفكري وتلاحم النسيج الاجتماعي وقوة الدولة وهيبتها، ومكانة المملكة بين دول العالم، وكان لا بد من رؤية جديدة كليا، رؤية تقودنا في وحدة جديدة، نحو أمل جديد ومكانة عالمية لائقة، وثروات اقتصادية فاعلة. وقد كان بروز الأمير محمد بن سلمان، حدثا تاريخيا في مسيرة التحول الوطني، يناسب تماما تلك التحولات التي مرت بالمملكة، بيد قادتها العظماء، وكان الأمير محمد بن سلمان، بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، عراب رؤية المملكة 2030، لصناعة بلد طموح، اقتصاده مزدهر وحكومته فاعلة. ومن خلال 13 برنامجا وطنيا، أبرزها على الإطلاق برنامج التحول الوطني، الذي تم من خلال إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وتنمية الموارد الاقتصادية غير النفطية، وتحديث شامل في جميع الأنظمة لتتناسب مع عالم جديد من الحوكمة والشفافية والمساءلة ومحاربة الفساد، وبناء منظومة متكاملة لدعم الصناعة السعودية والقطاع اللوجستي، استعدادا لتصبح السعودية حلقة الوصل العالمية الأولى بين قارات العالم الثلاث.

ولأنه يكفي من العقد ما أحاط بالعنق، فإن خلاصة النجاح الذي حققته الرؤية، ولإثبات الدليل الأكثر وضوحا بشأن دورها وصحة افتراضاتها وخططها، ما أنجزته المملكة خلال هذا العام 2020، وهو الذي بدأ بالصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، الذي فرض تباطؤا اقتصاديا حادا، ثم جاءت جائحة كورونا لتقضي على أي آمال في النمو الاقتصادي العالمي، مع خطر تعرض الملايين من البشر للإصابة والموت. كانت هذه الأحداث كفيلة بأن تهدد اقتصاد أي دولة ناشئة، لكن ما أنجزته المملكة خلال الأعوام، التي تلت تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، وتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، جعلت تلك الإنجازات والقرارات كفيلة بأن تضعنا على المسار الآمن صحيا واقتصاديا واجتماعيا. فعلى الجانب الصحي، طبقت المملكة، من خلال الوزارات المعنية، بروتوكولات الحجر الصحي بكل تناغم، كما تم تطوير تطبيقات إلكترونية قدمت دعما لامحدودا للقطاعات الأمنية والصحية في الحد من انتشار المرض.

وجاءت المملكة - والحمد لله - ضمن أقل الدول في العالم في عدد الوفيات، وهذا نتيجة ما تم تسخيره من خدمات. ورغم الجائحة، استطاعت السعودية تحقيق نجاحات قياسية وتاريخية في إدارة اجتماعات مجموعة الدول العشرين، من خلال تطبيقات الاتصال عن بعد، في حدث تاريخي لم يشهد له العالم مثيلا، وبرئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، فرح العالم أجمع بقرارات تاريخية لقمة المجموعة الدولية، تمثلت في دعم الاقتصاد العالمي بأكثر من سبعة تريليونات دولار، كما تم إطلاق حزم ضخمة من الدعم لمنظمة الصحة العالمية، بدأتها المملكة بدعم قدره 500 مليون دولار، وكان لهذا الدعم والتنسيق الناجح للقاءات واجتماعات مجموعات العمل كافة، دور بارز في تخفيف معاناة العالم الاقتصادية والصحية، واقتراب إنتاج اللقاح المناسب. لم يكن من الغريب بعد ذلك النجاح منقطع النظير في إدارة أكبر الأحداث والاجتماعات الاقتصادية في العالم، ومن خلال شبكات الاتصال، أن تتربع السعودية على قمة دول مجموعة العشرين والعالم أجمع في التطور التقني، وتقفز إلى أعلى مراكز الترتيب العالمي في البنية التحتية ورأس المال البشري.

ومن يتذكر كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، في أهمية التدريب ورفع مهارات رأس المال البشري، وخطابه في اجتماع منظمات العمال عن دور المرأة وتمكينها في المناصب القيادية، يدرك كيف نجحت المملكة اليوم في العبور من هذه الأزمات الحادة، والتحديات الضخمة، والترتيبات الدولية المعقدة. وعلى الجانب الاقتصادي، تقف "أرامكو" اليوم على قمة الشركات العالمية، بأكبر رسملة سوقية، بعد أن نجحت في تنفيذ الاكتتاب، كأكبر طرح في العالم، مع نجاح لا يقل أهمية في تمويل شراء حصة الحكومة في شركة سابك، لتحقق حلما طالما راود الشعب السعودي، يمكّن "سابك" من تحقيق تحولات صناعية كبرى.

كما استطاعت المملكة أن تعالج بقوة وثبات، مشكلة تضخم العرض في السوق النفطية، وتجاوز عديد من الدول اتفاقيات الإنتاج، حيث لوح بعضها بانهيار اتفاق "أوبك +"، لكن الحكمة السعودية، والرؤية الاقتصادية الجديدة، جعلت الجميع يعود إلى طاولة المفاوضات، والاتفاق من جديد، وتوسعت طلبات المشاركة الدولية في مجموعة "أوبك +". كما حققت المملكة نجاحات كبرى في كثير من المؤشرات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بممارسة الأعمال. وفي يوم الوطن، ومع رئاسة قمة مجموعة العشرين، نقف كجبل طويق، صفا واحدا ضد الفساد، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، وننظر إلى مستقبل نعمل فيه بجهد، نعزز مكانتنا اللائقة بين الشعوب المتقدمة.

إنشرها