Author

الجوع ينهش الفقراء بعنف

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"أزمة كورونا ينبغي أن تحرك الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"
أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة

تصدر الفقر ومعه الجوع لافتات تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفها وباء كورونا المستجد. وضربت الأزمة بقوة الأهداف الـ 17 التي تم الاتفاق العالمي عليها للقضاء على الفقر وروابطه من جوع وبطالة وصعوبة وصول شرائح واسعة إلى تعليم أساسي، فضلا عن التردي الخطير في الرعاية الصحية، والوعي بمواجهة الأوبئة والأمراض وغير ذلك من المخاطر التي تهدد البشرية هنا وهناك. مستوى الفقر ارتفع حتى في بعض الدول المتقدمة، التي شهدت في الأشهر الماضية ولا تزال حراكا مدنيا اجتماعيا لتوفير الإمدادات الأساسية لشرائح متزايدة من مجتمعات هذه الدول. لكن الأمر الأخطر، ذاك الذي يتعلق بالدول النامية ومعها الدول الأشد فقرا التي بسط الجوع أجنحته فيها، حيث وقفت الحكومات في بعض هذه الدول عاجزة عن القيام بأي شيء حيال ذلك.
قبل عقدين من الزمن وضعت الأمم المتحدة مجموعة من البرامج التنموية، بل يمكن وصفها ببرامج إنقاذ، وحددت لنفسها تواريخ من أجل تحقيق أهدافها التي أطلق عليها اسم أهداف الألفية. ورغم أنها تقدمت في هذا المجال، لكنها تلقت ضربة موجعة من جراء تفشي وباء كورونا الذي أصاب كل الدول، وتسبب في مشكلات اقتصادية كبيرة في الغرب والشرق، بينما لا تزال مصائب هذا الوباء تضرب على الساحة الدولية، بما في ذلك تزايد احتمالات أن يتعرض العالم لموجة جديدة منه هذه الأيام، قال بعضهم إنها قد تكون أعنف من الموجة الأولى. بمعنى، أن الإجراءات التي اتخذت حتى الآن قد تذهب أدراج الرياح، وتدفع بمزيد من الضغوط والاضطراب والعجز إلى المشهد العام. دون أن ننسى، تنامي الحمائية في كثير من الدول بحجة الوباء وآثاره وتداعياته.
في ظل هذه الحقائق المروعة، تعتقد جهات دولية معنية بأمر الجوع والفقر عموما أن عدد الوفيات بسبب الجوع الناجم عن كورونا سيزيد على عدد الوفيات بالفيروس نفسه، وعدد الذين يعانون نقص التغذية في العالم سيصل بحلول 2030 إلى 909 ملايين إنسان، والعام المذكور هو في الواقع أحد التواريخ التي حددتها الأمم المتحدة للتخلص نهائيا من كارثة الجوع العالمية، ضمن برامجها المباشرة وغير المباشرة. ولذلك يمكن القول، إن الأهداف الدولية الموضوعة لن تتحقق في التاريخ الذي وضع لها، الأمر الذي سيزيد من تفاقم المشكلات ويعقدها، ويضيف أعباء جديدة على كاهل الحكومات والمجتمع الدولي في المرحلة المقبلة. مع الإشارة إلى أن أغلب الدول المانحة تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، دفعت حكوماتها إلى مزيد من الاقتراض لمواجهة التداعيات الاقتصادية للجائحة العالمية.
وبدا هذا واضحا من الحال التي وصل إليها برنامج الأغذية العالمي الذي ناشد مديره ديفيد بيزلي أخيرا أثرياء العالم، أن يهموا بالمساعدة لإنقاذ نحو 30 مليون نسمة، عد أنهم سيموتون جوعا إذا لم يتلقوا مساعدات من خلال البرنامج. ووفق بيزلي، فإن 270 مليون شخص على مستوى العالم هم على شفا المجاعة، وأن برامج الأغذية تأمل في مساعدات تصل إلى 138 مليون دولار للعام الحالي. وهذا البرنامج يحتاج إلى 4.9 مليار دولار لعام واحد فقط لإطعام أكثر من 30 مليونا. وهؤلاء مرتبطون بصورة شديدة بالبرنامج المذكور، ويعتمدون عليه، ليس في وقت الأزمات فحسب، بل في زمن الاستقرار أيضا. والنقص في التمويل في الوقت الراهن، يعني أن الجهات الدولية لن تستطيع السيطرة على آفة الجوع في العقد الجاري.
لنترك الألفي ملياردير الذين أشار إليهم مدير برنامج الأغذية جانبا، رغم أن ثروات هؤلاء تبلغ ثمانية تريليونات دولار، وبعضهم حقق المليارات حتى خلال الجائحة العالمية. هناك حاجة ملحة إلى مواجهة آفة الجوع ومعها الفقر. فالإنسانية تواجه بالفعل أشد أزمة في التاريخ الحديث، ومهما كانت المبررات المتوالدة من جراء وباء كورونا، فالمسؤولية تقع على المجتمع الدولي للتقليل منها بأي طريقة كانت، مع الاعتراف بأنه لا يمكن التخلص منها، خصوصا في أعقاب الجائحة. ولا شك أن مساهمات المؤسسات والشركات الخاصة، تشكل محورا رئيسا في الحرب على الجوع، وظهر هذا واضحا من خلال اشتراكها في العقود الماضية في مقاومة الجوع، ودعم البرامج الدولية الهادفة للحد منه. دون أن ننسى، وجود مبادرات كريمة من أثرياء على مستوى العالم في كل الأوقات.
الحرب ضد الجوع صارت في أوجها، لكن التحركات الدولية تظل أقل زخما، رغم كل المبررات الراهنة. والمشكلة هنا أن تفاقم هذه الآفة، يعني أنها دخلت عمقا سيكون صعبا على المجتمع الدولي أن يصل إليه حتى لو انتهت أزمة كورونا غدا. فلا يمكن تأجيل مواجهة هذه الكارثة الإنسانية أو التراخي في التعاطي معها، لأنها ستترك آثارا فظيعة على الساحة الدولية، وهي تترك بالفعل هذه الآثار في الوقت الراهن. وتكفي الإشارة هنا، إلى أن بنهاية العام الجاري، سيموت 12 ألف شخص من الجوع المرتبط بكورونا يوميا.
إنشرها