Author

الاقتصاد الذكي قادم

|


كل العالم يحتاج بالفعل إلى ما يمكن تسميته "ثورة تكنولوجية" للوصول إلى اقتصاد أذكى وأسرع، ولا سيما في أعقاب تداعيات تفشي وباء كورونا المستجد، وهذا ما أثبتته الأحداث التي جاءت مع الأزمة الاقتصادية التي خلفها الوباء ولا تزال موجودة على الساحة. ولذلك، جاءت تصريحات آندي هالدان حاكم بنك إنجلترا المركزي متوافقة مع المعطيات الراهنة، حين أكد أن هذه الثورة التكنولوجية ضرورية من أجل الاقتصاد العالمي ككل، ومن أجل تجهيز الشركات والمؤسسات حول العالم لما بعد الوباء أيضا.

وبالفعل فرضت كورونا معطيات جديدة لم تكن في الحسبان أبدا، خصوصا أنه لا توجد جهة توقعت هذه الجائحة ولا مدى عنف ضرباتها التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، بينما تتعاظم المخاوف من موجة ثانية لها، ينظر إليها البعض على أنها ستكون أقوى من الأولى.

والذي يعزز صحة ما ذكره المسؤول المالي البريطاني، وكثير من الخبراء في هذا المجال، أن كل القطاعات تأثرت سلبا من جراء الوباء، إلا القطاع التكنولوجي الذي حقق قفزات نوعية في مختلف الميادين، إلى جانب طبعا القطاع الصحي الذي استفاد من ارتفاع الطلب على منتجاته وخدماته. ويرى الخبراء، أن المرحلة المقبلة التي ستلي الانتهاء من كورونا ستكون مختلفة عن تلك التي سبقت هذا الفيروس المروع.

حتى إن التداعيات الناجمة عن الجائحة، تسبب في خروج قطاعات بأكملها من السوق، وقلصت إنشاء قطاعات أخرى، واختزلتها في نطاق الخدمات الإلكترونية المختلفة، بما في ذلك التسوق والتعليم والتعاملات المالية، ومداولات الأسواق المالية وغيرها. وفي هذا القطاع التعليمي المشار إليه، باتت الأمور تتجه إلى تحويله بصورة شبه كاملة للمسار الإلكتروني.

لا شك في أن الأمر يحتاج إلى نقلة نوعية جديدة على صعيد تحويل الاقتصادات العالمية إلى الناحية التكنولوجية.صحيح أن هذا الأمر متوافر بصورة مختلفة في دول متقدمة أو دول نامية حققت إنجازات كبيرة في هذا المجال، لكن الصحيح أيضا أن معظم الدول تحتاج ليس إلى ثورة في هذا الميدان، بل إلى تأسيس قواعد تكنولوجية تناسب المتغيرات الحتمية المقبلة.

وهذا ليس سهلا في هذه المرحلة بالذات، فضلا عن أن العالم يعيش حاليا مرحلة القضاء على الوباء، علما بأن النجاح في هذا المجال ليس واضحا حتى الآن، مع استمرار المخاطر الناجمة عن الجائحة. يضاف إلى ذلك، أن هناك دولا تحتاج إلى استثمارات كبيرة كي تنطلق في المسار التقني في المستقبل، وهذا أيضا ليس متوافرا بسبب الضغوط المالية الناجمة عن إنقاذ الاقتصادات كلها دون استثناء واحد.

ومن هنا يمكن القول، إن التوجه إلى الثورة التكنولوجية سيستغرق وقتا ليس قصيرا، وبذلك سيكون هناك تفاوت بين دول وأخرى ومنطقة وأخرى أيضا في هذا المجال. لكن في النهاية، لا غنى عن هذه الثورة في المستقبل القريب وليس البعيد، لأن شكل الاقتصاد الذي سبق الوباء، لن يكون مناسبا لمتطلبات ما بعد هذا الوباء.

وحتى القوانين الدولية في هذا السياق، ستتعرض للتغيير في المرحلة المقبلة، ولا سيما في ظل الاستحقاقات الآتية لا محالة. التغيير في هذا الميدان قادم لا شك في ذلك من أجل تحقيق شعار الاقتصاد التقني الذكي ومعالجة النمو العالمي بصورة وطريقة أسرع لتعويض الضرر من تداعيات جائحة فيروس كورونا، ولا يبدو أن ذلك سيتم بصورة سلسة إلا بتعاون دولي يأخذ في الحسبان، الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد العالمي وتأثرت بها الدول المتقدمة والنامية كافة.

إنشرها