Author

تكامل خطوط الحرب على الفساد

|


تخوض المملكة معارك عدة في جهات كثيرة مختلفة، فهي تواجه مع العالم تلك الجائحة التي أودت بحياة ما يقرب من مليون شخص حول العالم، وما زالت تأثيراتها ممتدة إلى اليوم، وأثرت في نواحي الحياة كافة. وهي تحارب على الحدود الجنوبية للمملكة تلك الميليشيات الحوثية التي تجد دعما إيرانيا منقطع النظير، وترسل طائراتها المفخخة على مواقع المدنيين الأبرياء، ولكن توفيق الله لقواتنا المسلحة أفشل كل هذه الاعتداءات الغاشمة ولم تفلح في ثني المملكة عن مد يد العون للشعب اليمني الشقيق.

وفي الداخل تشن المملكة معركة شرسة ضد الفساد، الذي يظن أنه قد يجد في انشغال الحكومة بهذه القضايا المصيرية فرصة للتربح غير المشروع، وحربا تعمل فيها الجهات الرقابية ومنسوبوها جهدا كبيرا أثنى عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو الذي يعد الفساد مرضا يجب استئصاله حتى تعم الثقة بالاقتصاد الوطني ومخرجات التنمية.

ولا شك أن ثناء الأمير محمد بن سلمان وهو قائد هذه المعركة الشرسة يعد ميدالية الشرف في هذه الحرب يضعها ولي العهد في أعناق منسوبي الأجهزة الرقابية خاصة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التي صدر أمر ملكي، في كانون الأول (ديسمبر) 2019، بالموافقة على الترتيبات التنظيمية والهيكلية ذات الصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، وضم الجهات المعنية بذلك في جهاز واحد باسم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.

في قواعد الحوكمة تعد الأجهزة الرقابية خط الدفاع الثالث، ولا تكتمل خطوط الحوكمة وتعزز فاعليتها إلا إذا تكاملت الخطوط فيما بينها، ولقد كانت الأجهزة الرقابية، قبل عهدنا الحاضر تعاني مشكلات عدة ليس أقلها نقص الدعم الكافي لإنجاز أعمالها، كذلك التداخل في الصلاحيات وأيضا طول إجراءات التقاضي ما قد يمنح الفساد فرصة.

لكن التغيرات التي أحدثتها قواعد الحوكمة الصارمة التي انتهجها ولي العهد في رؤية المملكة 2030 بتوجيهات ودعم من خادم الحرمين الشريفين أسفرت أخيرا عن ضم القطاعات المتداخلة في الصلاحيات ضمن جهاز مركزي واحد. كما تم منح الهيئة الجديدة صلاحيات واسعة في التحقيق وفي التقاضي، منحتها قدرة أوسع على ملاحقة الفساد في أوكاره وشتى صوره، ثم تم إقرار عديد من الأنظمة ذات العلاقة وأبرزها هو نظام غسل الأموال، هذا النظام الذي أحدث نقلة نوعية في أعمال مكافحة الفساد. وقد أثبتت الحالات التي تم الإعلان عنها أخيرا تلك الفاعلية الكاملة بين خطوط الدفاع الثلاثة بدءا من الإجراءات والأنظمة ثم الأعمال الرقابية والهيئات ذات الصلة.

مصدر هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أوضح أن الهيئة عالجت 227 قضية جنائية، في الفترة الماضية، من خلال الإيقاف والتحقيق مع 374 مواطنا ومقيما، لعل أبزر تلك الحالات التي تم رصدها والتي تعد جزءا من جرائم التربح من الوظيفة العامة، واستغلال النفوذ الوظيفي، تلقي الرشا، حيث كانت الإجراءات الرقابية كفيلة باكتشاف هذه الجرائم لعدد من موظفي بلدية إحدى المحافظات التابعة لمنطقة الرياض.

كما تم إثبات تضخم حساباتهم البنكية، ولذا تم استصدار الأوامر اللازمة من وحدة التحقيق والادعاء الجنائي للقبض عليهم وتفتيش منازلهم، حيث عثر على مبالغ نقدية تجاوزت 45 مليون ريال.

وتظهر قوة نظام غسل الأموال في هذه القضايا مع إقرار المتهمين بتلقيهم الرشا، التزوير وغيرهما من الجرائم حيث تم تحويل هذه المبالغ التي تم جمعها من هذه الأعمال إلى عقارات، ومركبات فارهة وبطاقات مسبقة الدفع في متاجر عدة وسبائك ذهبية وعملات مختلفة.

هذا الأسلوب الذي اتبعه المتهمون كان يهدف إلى إخفاء مصدر هذه الأموال، ومن ذلك أيضا ما أقر به متهمون آخرون في جرائم غسل الأموال باستخدامهم المبالغ المتحصل عليها في شراء عقارات بأسماء أفراد العائلة، فهؤلاء المتهمون لم يكتفوا بجرائم تلقي الرشا أو حتى منح عقود لمصلحة مؤسسات خاصة بهم وأقاربهم، بل إن تطبيق نظام غسل الأموال قد يضيف جرائم إلى جرائمهم وقد يتورط أفراد عائلاتهم في تلك القضايا.

لهذا عندما يقول ولي العهد إن الحرب على الفساد شرسة، ذلك أن الفاسدين، سيقومون بكل ما في وسعهم لتغطية جرائمهم ولو بتوريط أسرهم وعائلاتهم في تلك القضايا، ولهذا فإن اكتشاف الجرائم وما يليها من غسل الأموال الذي نتج عنها من خلال مؤسسات وهمية للعائلة أو عقارات أو سيارات، هو جهد جبار ومدهش لمنسوبي هيئة مكافحة الفساد، ولهذا استحقوا تلك الكلمات والعبارات الرائعة والمحفزة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ما سيكون لهم دافعا لمزيد من الجهد، حتى تضع الحرب أوزارها، مع تجفيف منابع الفساد كافة وجميع أساليب التخفي وغسل الأموال التي يجد فيها الفاسدون ملاذا من المسؤولية.

إنشرها