Author

الحاجة إلى بيانات حركة المحافظ الاستثمارية

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
يحسب لمؤسسة النقد العربي السعودي دورها في عملية تنظيم أعمال البنوك، وبالذات التنظيم الخاص بفصل عملية الاستثمار عن الحسابات الجارية، ما جعل جميع البنوك لدينا تقوم بإنشاء كيانات مستقلة للعمل في مجال الوساطة. المطلوب من مؤسسة النقد هو بيان أسبوعي يبين حجم الحسابات الاستثمارية لدى جميع الوسطاء، وإتاحتها أمام جميع المتعاملين في سوق الأسهم، وكذلك إلزام الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات بنشر بيانات السيولة الخاصة بها. مثل هذه المعلومات ليست سرية ولا توجد بها أي تجاوزات لمبادئ الخصوصية وهي حق للمتعامل، لا يختلف عن حقه في معرفة قيمة مؤشر الأسهم، وكميات التداول اليومية وغيرها من البيانات ذات التأثيرات المهمة في استثماراته. مثل هذه المعلومات معروفة في الأسواق الخارجية ومتاحة للجميع، ولها عدة فوائد، منها الشفافية في التعاملات، وتسليح المستثمر بالمعلومات التي تساعده على اتخاذ القرارات، ومنع استغلال هذه المعلومات من قبل أطراف قريبة وذات علاقة دون سواهم من المتعاملين. مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة بين المتعاملين في الأسواق المالية أمر مهم للغاية، ولا يمكن الاستهانة به.
الاستثمار بشكل عام، وبشكل خاص في الأوراق المالية هو لعبة بيانات ومعلومات، من يملك المعلومة ويقرأها بشكل صحيح له أفضلية عن غيره، لذا تولي الجهات الرسمية المعنية بالأسواق المالية حول العالم أهمية بالغة بخصوص توافر المعلومات للجميع، وليس فقط توافرها بل كذلك توقيت توافرها حيث تنشر في وقت محدد ومجدول مسبقا. وتوجد أنظمة صارمة لضبط المعلومات الداخلية وإيقاع أشد العقوبات لمن يتداول بناء على معلومات داخلية غير متاحة للجميع.
إذا الدور المطلوب من مؤسسة النقد يتمثل في نشر البيانات بشكلها الخام وإتاحتها للأفراد والمؤسسات المالية البحثية المتخصصة لاستخراج المعلومات اللازمة منها، أي أنه ليس مطلوبا من المؤسسة ولا الوسطاء تحليل هذه البيانات ولا القيام بأي توصيات بشأنها، فقط إتاحتها أمام الجميع أو إلزام من يملكها بنشرها. مصدر هذه المعلومات يأتي لكون المتعاملين في سوق الأسهم لديهم حسابات استثمارية مستقلة ومنفصلة عن حساباتهم البنكية، ولا يمكنهم التعامل بالأسهم إلا بإيداع مبالغ نقدية إلى هذه الحسابات، وبذلك فيمكن في أي يوم من الأيام معرفة حجم هذه الأموال من خلال عنصرين مهمين: (1) إجمالي المبالغ النقدية في الحسابات الاستثمارية (نسميه رصيد مستوى النقدية)، و(2) إجمالي ما تم استخدامه لشراء الأسهم (نسميه رصيد مستوى الشراء). هذه المعلومة البسيطة موجودة وجاهزة لدى مؤسسة النقد والوسطاء، ومنها يستطيع المتعامل معرفة مقدار النقد في المحافظ (رصيد مستوى النقدية) ومعرفة حجم ما تم استثماره في الأسهم (رصيد مستوى الشراء). من هذين العنصرين تتوافر للمستثمر عدة معلومات في بالغ الأهمية. على سبيل المثال، عندما تكون هناك حالات بيع كبيرة ينعكس ذلك في ارتفاع رصيد مستوى النقدية في الحسابات الاستثمارية وانخفاض في رصيد مستوى الشراء. أما إذا قام المستثمرون بالتحويل من الحسابات الاستثمارية إلى الحسابات الجارية، الأمر الذي يعد سحبا للسيولة من الأسهم إلى مجالات أخرى، فإن ذلك يظهر في نقص رصيد مستوى النقدية دون ارتفاع في رصيد مستوى الشراء، وهكذا تتم قراءة ما يتم هناك من تحركات.
جانب آخر مهم للمتعاملين وهو حجم الاشتراكات في الصناديق الاستثمارية، وهي عبارة عن محافظ كبيرة مشتركة يديرها الوسطاء المرخصون تحتوي على أموال المتعاملين مع الصناديق، وهذه المعلومة لا تقل أهمية عن الحسابات الاستثمارية في المصارف. كما أنه بالإمكان إلزام الوسطاء المتخصصين في صناديق المؤشرات والصناديق المغلقة المتداولة بنشر حجم التدفقات النقدية بشكل دوري (ربما أسبوعيا)، لما لتلك المعلومات من فائدة كذلك.
عالميا، هناك شركات كبيرة وعريقة مثل شركة ليبر (التابعة لوكالة تومسون رويترز) وشركة مورنينج ستار المختصة بالصناديق الاستثمارية المتنوعة، وغيرها، مما تقوم بنشر مثل هذه المعلومات، بعضها يقوم بجمع المعلومات بنفسه من مصادرها الخاصة إضافة إلى استفادتها مما هناك من بيانات أساسية تنشرها بعض الجهات الرسمية. إلى جانب الشفافية والعدالة، تكمن فائدة هذه البيانات في أنها تعطي المحلل، فردا كان أو مؤسسة)، تصورا عن تدفق السيولة الداخلة إلى سوق الأسهم والخارجة منه، ومنها يستطيع المحلل عمل رسم بياني مزود بمتوسط متحرك مناسب يستشف منه مسار حركة أسعار الأسهم في الفترات المقبلة. ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في تفسير البيانات من شخص لآخر وهذا صحي ومطلوب في الأسواق المالية. كذلك من الممكن رصد بيانات أخرى خاصة بالصكوك والسندات والمشتقات وغيرها وإتاحتها أمام جميع المتعاملين.
أخيرا إن توافر مثل هذه المعلومة مفيدة بشكل عام كمعلومات اقتصادية - حتى لمن هم خارج الأسواق المالية - مثلا قد تهم المتعاملين في القطاع العقاري مثل هذه البيانات في معرفة التوجه المحتمل للسيولة من وإلى القطاع العقاري، بل حتى بقية النشاطات التجارية ستجد أهمية بالغة لمثل هذه البيانات.
إنشرها