Author

الأغذية .. متى نقلص الاستيراد؟

|

*مختص في التنمية

لا شك أن الصناعات البترولية والبتروكيماوية والتعدينية، من أهم ركائز الاقتصاد السعودي، وهي المستقبل الذي يعول عليه في تعظيم الفائدة منه بتصنيعه محليا وتصديره منتجات نهائية إلى الأسواق العالمية، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمملكة بين ثلاث قارات، آسيا وأوربا وإفريقيا، وكذلك الاستفادة من البنية التحتية المتطورة في المملكة. لكن في نظري، أن الصناعات الغذائية هي الأخرى صناعة تحتاج إلى مزيد من العناية جنبا إلى جنب في مسيرة التنمية والتطوير للصناعة عموما في المملكة. ورغم أن كثيرا من الدول الزراعية، التي تمتلك وفرة في معظم الموارد الزراعية، إلا أنها فقيرة، لأنها تفتقر إلى صناعات غذائية متطورة. من يتخيل أن دولة عربية أرضها خصبة ويخترق النهر أرضها تستورد الفول المعبأ بنسبة 85 في المائة!
تعاني الصناعات الغذائية في المملكة - حسب معلوماتي - فجوة نظامية غير محسومة نهائيا، فوزارة التجارة ووزارة البيئة والمياه والزراعة معنيتان، إلى جانب وزارة الصناعة أيضا، وهذه الصناعة تقع ضمن اهتمامها جميعا. كل مشروع زراعي ضخم مثل صناعة الألبان أو الدواجن أو الأسماك أو الخضار، ينتهي بمصنع لتجهيز منتجاته، وتجد صندوق التنمية الزراعية يقرض جزءا، والصندوق الصناعي يقرض جزءا آخر، وبذلك تكون الصلاحيات مشتتة بين الجهات.
الصناعات الغذائية لا تتطلب في مجملها أن يكون لديك مشروعا زراعيا، فقد تستورد القمح أو الذرة أو الفواكه أو الخضار أو اللحوم أو الأسماك، وتصنعها صناعات تحويلية متعددة، حسب طلب ونمو الأسواق، مثلما يحدث في جبل علي في الإمارات الشقيقة، بل إن إضافة هذه الصناعات التحويلية ضمن المشاريع الزراعية، تشكل عبئا عليها، ويشغلها عن دورها الإنتاجي، ويستنزف مواردها المالية وتدفقاتها النقدية، باعتبارها بنى تحتية، وليس شرطا أن يقحم المزارع أو المستثمر الزراعي في الدخول فيها، بل المفترض التركيز على منتجاته وتطويرها من دون الدخول في صناعة ثانوية أخرى.
وبحسب تصريحات لمسؤولين، فإن نسبة هدر الأغذية في المملكة تصل إلى 35 في المائة، وهي كمية كبيرة جدا لا يمكن تجاهلها، وهو الأمر الذي يستدعي التخطيط لها حتى ننجح في تقليلها وتقليصها إلى أدنى حد ممكن، فالنسبة توضح أن تكلفتها تقدر بنحو 32 مليار دولار "121 مليار ريال" سنويا.
هذا الرقم يجب أن نقف أمامه كثيرا، ونوجه نسبة كبيرة لتفاديه بالصناعات الغذائية، إضافة إلى التوعية وتطوير وسائل النقل والتداول والتخزين.
نذكر هنا على الصعيد المحلي، أنه وبحسب فاتورة استيراد المواد الغذائية حسب إحصائية 2016، بلغت 70 مليار دولار، وبمعدل نمو سنوي بلغ 8 في المائة، أي بلغت حاليا نحو 92.4 مليار دولار، ومعظم هذه الأغذية مصنعة وليس خاما.
لذلك، من يقف أمام أرفف الأسواق المركزية ويتأمل في عبارة أنتج في السعودية made in Saudi Arabia على هذه المنتجات، يجد هذه العبارة نادرة أمام سيل المنتجات الواردة إلى هذه البلاد المباركة من كل حدب وصوب. نفخر بصناعة الألبان وصناعة الدواجن والصناعة السمكية في بلادنا، لكن نرغب في المزيد منها، فما زالت تلك الأرفف تزدحم بمنتجات ألبان غير وطنية، ومثلها ينطبق على العصائر والبيض والدواجن والأسماك.
المستثمر المحلي مطلوب أن يتحلى بالجرأة والإقدام والاستفادة من الفرص العديدة المتاحة داخليا، التي لا تستهدف فقط السوق المحلية، بل الإقليمية والدولية، وكذلك الاستفادة من أوجه الدعم التي توفرها الدولة. كما أن للقطاعات الحكومية دورا في تسهيل الإجراءات وتوحيدها، وإزالة أي صعوبات يتعرض لها المستثمر، ومن دون تضافر الجهود سنبقى مجتمعا استهلاكيا مستنزفا بالبضائع المستوردة، خلافا لما يكتنفها من تدن للجودة، والأمر يكون أخطر وأكثر إلحاحا عندما يرتبط بالصحة والسلامة.

إنشرها