Author

لا تتركوها في رؤوسهم فتذبل وتموت «2»

|
مختص في شؤون الطاقة
عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن رؤية السعودية الطموحة اهتمت بصورة قوية بالمحتوى المحلي، وتوطين الصناعات في كثير من القطاعات، ومنها بلا شك قطاع الطاقة الذي تعد صناعة النفط أساسه المتين وركنه الرصين، بل عصب اقتصادنا وقلبه النابض. قسمت صناعة النفط بأنشطتها المختلفة إلى صناعات مشاعة المعرفة، وصناعات غير مشاعة المعرفة، ووضحت أن الصناعات مشاعة المعرفة هي التي لا ترتبط ببراءات اختراع، فهي منتشرة في جل الدول المرتبطة بالصناعة النفطية، وتوطين هذا النوع من الصناعة ليس صعبا في حد ذاته، لكن تكمن الصعوبة في منافسة المنتجات الأخرى المشابهة سواء كانت محلية أو مستوردة، فلا سبيل لاختراق السوق المستهدفة والحصول على حصة سوقية مناسبة إلا من خلال سياسة التسعير، بسبب تشابه هذه المنتجات وجودتها تقريبا وشح الميزات التنافسية الفنية. القسم الثاني هو الصناعات غير مشاعة المعرفة، وهي تلك الصناعات المعقدة التي لا يمكن توطينها لارتباطها ببراءات اختراع وملكية فكرية يصعب جدا أن يتنازل عنها ملاكها وخسارة هذه الميزة التنافسية. في قطاع الطاقة عموما، وفي قطاع النفط خصوصا، أستطيع القول بكل ثقة ومن تجربة عملية وميدانية بين آبارها برا وبحرا، إن هناك كفاءات وطنية يشار إليها بالبنان. لديهم أفكار مميزة يمكن ترجمتها إلى براءات اختراع، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة التحول التجاري والتصنيع بل تصدير هذه المنتجات الوطنية تعزيزا لمبادرة "صنع في السعودية" التي تتبناها وزارة الصناعة، قبل أن تذبل هذه الأفكار وتموت. أجزم أن عددا ليس قليلا من الكوادر الوطنية في قطاع النفط وغيره، ارتطمت طموحاتهم للابتكار والاختراع بجدار صلب من العقبات، فوهنت عزائمهم وذبلت أفكارهم. أعتقد يقينا أن ذبول هذه الأفكار وموتها ليست خسارة لأصحابها، بل خسارة للوطن، فالصناعة هي الباب الكبير لتقدم الأمم وتطورها، وهي ترياق البطالة الأقوى فاعلية. أهم العقبات التي تواجه أصحاب هذه الأفكار في رأيي هي: أولا: العقبات المالية: حيث إن تكلفة تطوير الأفكار وتسجيلها كبراءة اختراع لا يستطيع الفرد تحملها غالبا، ومن تجربة شخصية تلقيت عرض سعر من إحدى الشركات المختصة في براءات الاختراع أن قيمة هذه الخدمة نحو 160 ألف ريال سعودي. ثانيا: العقبات الفنية، فبعض الأفكار تتطلب دعما من مختصين في تخصصات متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر، التصميم الهندسي، والبحث والتطوير والمحاكاة وغيرها. ما سبق من عقبات فقط في مرحلة تسجيل براءة الاختراع، أما في حال الانتقال لمرحلة التحول التجاري "التتجير" فهذه تتطلب بلا شك وجود فريق عمل مختص في دراسة الجدوى وإعداد الملف الاستثماري ومن ثم الإداري والتشغيلي. العقبتان السابقتان يمكن تجاوزهما بوجود حاضنات أعمال ربحية أو غير ربحية، وهي موجودة بالفعل، وقد تكون مناسبة لكثير من القطاعات ولو أنني أعتقد أن عددها ليس كافيا. أما ما يخص صناعة النفط فلا أعلم بجود حاضنة ومسرعة أعمال مختصة في هذه الصناعة، وقد كتبت قبل أعوام عن أمنيتي بوجود حاضنة مختصة في توطين صناعة النفط، واستقطاب الأفكار التي يمكن ترجمتها إلى واقع ملموس ينبثق من رحمها كثير من الشركات الريادية، لتصبح شركات وطنية عملاقة تؤتي أكلها، وتنعكس إيجابا على اقتصاد الوطن ولو بعد حين.
إنشرها