Author

أولويات الرؤية .. الاقتصاد الرقمي

|

يؤكد المنتدى الاقتصادي الدولي أن العالم يمر اليوم بأهم مراحل الثورة التكنولوجية، التي تسيد المشهد فيها كل من الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي وتقنيات أخرى، وهذه الثورة التكنولوجية العملاقة تقلب مفاهيم الصناعة والاقتصاد والمشهد التنافسي العالمي، وهو المشهد الذي يحدد البقاء في مجموعة الأقوياء بناء على قدرة الدولة على التعامل مع هذه التغييرات وبناء القدرة التنافسية التي ستحدد ثروتها وموقعها الجغرافي والسياسي. ولأهمية هذا الدور الضخم للاقتصاد الرقمي ودوره الكبير في صناعة مستقبل أي دولة، كانت توصيات مجموعة العشرين في دورتها لعام 2019 في اليابان قد خلصت إلى هذه النتيجة تماما، وأولت اهتماما بالغا بكل ما تعنيه عبارات ومكونات الاقتصاد الرقمي.

وبالطبع فإن دولة كالسعودية التي تترأس مجموعة العشرين في دورتها الحالية، ستكون دون شك محط أنظار العالم في هذا الشأن، وقد كانت في الموعد تماما وهي تتسنم قيادة مجموعة العشرين وأيضا تتربع على قائمة هذه الدول في التنافسية الرقمية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فهي تحتل اليوم المرتبة الأولى في مؤشر التنافسية الرقمية العالمي من المركز الأوروبي، الذي يستند إلى مكونات مؤشر التنافسية العالمية لمنتدى الاقتصاد العالمي. والحقيقة أن السعودية تفوقت على كثير من دول العالم في قضايا الاقتصاد الرقمي منذ أن أولت اهتماما بالغا بالتحول الرقمي وأقرت له خططا وكان من أولويات الحكومة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. كما كانت أهم ركائز رؤية المملكة 2030، أن تكون لها الريادة في تطوير البيئة الرقمية وأن البيئة الرقمية قاعدة صلبة لتحول المملكة إلى عالم الثورة الصناعية الرابعة والاقتصاد الرقمي بكل تنوعه.

ولتحقيق ذلك، ركزت المملكة على ثلاثة محاور رئيسة أولها بناء القدرات وتنمية رأس المال البشري في هذا الجانب وهو ما أثمر عن إنشاء هيئة للبيانات والذكاء الاصطناعي، وكذلك هيئة وطنية للأمن السيبراني، إضافة إلى الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، هذه في مجملها تعمل على تنمية رأس المال البشري القادر على قيادتنا في عصر الثورات الرقيمة والمنافسة فيها. كما قامت المملكة بالاستثمار في المشاريع الرقمية الضخمة ومن ذلك مدينة "نيوم" قلب الثورة الصناعية الرابعة، وجاء المحور الثالث في إصلاح التنظيمات والتشريعات التي تتلاءم مع العصر الرقمي. هذه المنجزات وضعت المملكة في المرتبة الأولى في مؤشر التنافسية ضمن الدول "الناهضة رقميا" وهي التي حققت أداء جيدا وحسنت موقعها مقارنة بـ140 دولة.

فالتقرير يقيس بدقة هذه المشاريع ويتابع المنجزات والخطوات التي قامت بها المملكة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، عبر عدة معايير تتجمع خلال محورين: الأول، يتعلق بالنظام البيئي للتحول الرقمي، من حيث الاستثمارات في رأس المال الجريء، وسهولة أداء الأعمال، والقدرات الرقمية للنشء، فيما يتضمن المحور الآخر، الاستعداد لتبني التحول الرقمي والابتكار، من حيث القدرات الرقمية للقوى العاملة، والاستعداد لمخاطر ريادة الأعمال، وانتشار النطاق العريض، والأفكار الابتكارية في الشركات. هذا التطور الذي حققته السعودية كان له أثر بالغ في تجاوز الاقتصاد السعودي الآثار المؤلمة لجائحة كورونا، حيث استطاع كثير من السلع والأعمال والخدمات أن يجد طريقه للناس من خلال الأسواق الرقمية والطرق السهلة الإلكترونية للدفع والآمنة في الوقت نفسه.

واستطاع الاقتصاد الحفاظ على الوظائف من خلال تفعيل هذه التقنية مع وجود بنية اتصالات متميزة. كما أن هذه المؤشرات الدولية ذات السمعة الكبيرة تؤكد أن الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية خلال الأعوام الماضية قد آتت ثمارها، فمع انتشار القلق وانعدام الثقة بالاقتصادات العالمية التي لم تستطع مواجهة الإغلاق الكبير للاقتصاد والأنشطة فإن بروز اسم السعودية بهذه القوة على الساحة العالمية سيدعم بشكل كبير التدفقات النقدية الأجنبية الداخلة للاقتصاد والباحثة عن الأمان الاستثماري، حيث إن هذه القدرات الرقمية للاقتصاد السعودي توفر بيئة خصبة للاستثمارات والصناعة والتبادل التجاري، دون قلق من أي عودة للاحترازات مرة أخرى، فالطبيعة الرقمية للاقتصاد توفر مساحة كبيرة للعمل عن بعد ونقل السلع والخدمات.

إنشرها