Author

أضاعوها .. ماذا بقي؟ 

|

لم ينل من القضية الفلسطينية شيء، كما نالت المزايدات منها، وهي مزايدات جمعت بعضا من القيادات الفلسطينية على مر زمن هذه القضية العربية المحورية. إلى جانب بعض آخر من المسؤولين العرب، مروا أيضا عبر الزمن العربي، مستغلين المأساة الفلسطينية المزمنة، لا لشيء إلا لإبعاد الأعين عن فشلهم وفسادهم وجبروتهم، وإشغال شعوبهم في قضية يعرفون جميعهم، أنها تسكن أصلا في عقول وأفئدة الشعب العربي في كل مكان. كان من السهل عليهم المتاجرة بها، وتأجيل سقوطهم الحتمي إلى أطول فترة ممكنة. هذه المأساة، كانت سلعة عند بعض القيادات الفلسطينية ومسؤولي الفصائل الذين يأملون ألا تنتهي صلاحياتها حتى بحل عادل للقضية برمتها، فهم بأنفسهم من أضاع قضيتهم، بل إنهم لا يتركون فرصة لإخوانهم العرب لاستكمال مساعيهم وجهودهم المخلصة، فبينهم من عمل وما زال يعمل على إفشال مبادرات السلام، "خاصة مبادرة السلام العربية" حتى تستمر مصالحهم. ولم يكتفوا بذلك، بل إضافة إلى تعطيل الحلول، كانوا يزرعون العقبات بقدر ما أمكن لهم في طريق مسيرة الحل، متمنين إبقاء الوضع المأساوي على ما هو عليه.    

على الساحة السياسية الفلسطينية تعاظمت الخلافات على مر الأعوام، ليس من فرط الجدل حول طبيعة الحلول المطروحة، بل من حجم المزايدات والمتاجرة بالقضية، فكلما كان صوتك عاليا، كان لهذه المزايدات صدى أكبر. لذلك، لم يكن غريبا في المشهد العام حاليا، أن يستخدم بعض الذين شاركوا في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الأخير، لغة معيبة وخطيرة مليئة بالتحريض والتهديدات غير المسؤولة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي. كانوا مخلصين جدا لثقافة المزايدات التي ينغمسون فيها، ويتخذونها استراتيجية بائسة، حتى إنهم عرضوا اجتماعاتهم هذه على تلفزيونهم الوطني مباشرة، لبث تضليلهم وبؤسهم على الهواء. هذه سلوكيات غير مسؤولة، لا يمارسها حتى المبتدئون في عالم السياسة، فكيف الحال والموضوع المطروح قضية فلسطينية عربية مصيرية، لا تتطلب سوى الحكمة فقط، والاتزان، والواقعية الوطنية.    

ربما يكون مملا استعراض ما قدمته دول الخليج العربية بصور فردية، أو عبر مجلس التعاون الخليجي، فالحقائق في هذا الأمر يعرفها الجميع، خصوصا الشعب الفلسطيني الشقيق، وقيادات مجلس التعاون لا تحب أصلا استعراض ما عدته هي نفسها واجبا عليها، فالعوائد تتحدث عن نفسها. والعنوان الحقيقي العملي، كان وسيظل دائما في مجلس التعاون الخليجي، "فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، والدفاع عنها واجب". والعمل من أجلها فعلي لا صوتي، وتجلى ذلك في المبادرة التي قدمتها الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في قمة بيروت عام 2002، مبادرة يعرفها الجميع وقبلتها الدول المؤثرة في العالم كلها، هي - ببساطة - قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، عنوان عريض، لكن تحته آليات وتحركات وتضحيات حقيقية لتحقيق الهدف.

مرة أخرى لا داعي لاستعراض ما قدمته دول الخليج العربية للقضية الفلسطينية، فالجاحدون يعرفون ربما قبل الممتنين حقيقته، والمسألة - باختصار - أن القضية عربية مثلما هي فلسطينية. وليس أمام القيادة الفلسطينية إلا أن تعتذر عن حملة التضليل والاتهامات والإساءة والتشكيك، التي صدرت عن اجتماع يفترض أن يكون المشاركون فيه على قدر المسألة برمتها، وعلى مستوى من المسؤولية التي وضعها الشعب الفلسطيني الشقيق على عاتقهم. الاعتذار لا يمكن التنازل عنه، لأنه يجب أن يقدم لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، والشعوب الخليجية، التي تضع فلسطين في قلبها ليس مرحليا أو آنيا أو موسميا، بل تسكن قلوب هذه الشعوب بالوراثة.

إنشرها