Author

لا تتركوها في رؤوسهم فتذبل وتموت «1»

|
مختص في شؤون الطاقة
رؤية السعودية الطموحة اهتمت بصورة قوية بالمحتوى المحلي وتوطين الصناعات في كثير من القطاعات، ومنها بلا شك قطاع الطاقة الذي تعد صناعة النفط أساسه المتين وركنه الرصين، بل عصب اقتصادنا وقلبه النابض. قد يتساءل البعض هل هناك تناقض بين التحرر من النفط ونمو صناعته؟ للإجابة عن هذا السؤال المشروع والمنطقي، خصصت سلسلة من المقالات بعنوان: "التحرر من النفط لا يعني انكماش صناعته" لتبيان أنه ليس هناك أي تعارض بين التحرر من النفط ونمو صناعته. صناعة النفط بأنشطتها الرئيسة الثلاثة وهي صناعة المنبع، والصناعة الوسيطة، وصناعة المصب، أرى أنه يمكن تقسيمها إلى صناعات مشاعة المعرفة، وصناعات غير مشاعة المعرفة. المشاعة المعرفة هي تلك الصناعات التي لا ترتبط ببراءات اختراع أو ملكية فكرية، فهي منتشرة في جل الدول المرتبطة بالصناعة النفطية، وتوطين هذا النوع من الصناعة ليس ذا صعوبة في حد ذاته، لكن الصعوبة تكمن في منافسة المنتجات الأخرى المشابهة سواء كانت من منافس محلي أو مستورد. في هذا النوع يكون التسعير هو الأداة الوحيدة المجدية لاختراق الأسواق المستهدفة والحصول على حصة سوقية مناسبة. السبب في ذلك يعود لتشابه هذه المنتجات وجودتها تقريبا وشح الميزات التنافسية الفنية. لذلك أعتقد أن توطين الصناعات مشاعة المعرفة التي لا تحمل ميزة فنية تنافسية تفاضلها عن مثيلاتها سواء في الأسعار أو توفير وقت العمل التشغيلي، أعتقد أن توطين هذا النوع غير مجد ويحمل في طياته كثيرا من المخاطر التي ستنعكس سلبا على مستقبل هذه الصناعة وديمومتها، خصوصا إذا تشبعت هذه الصناعة وقادتها الحروب السعرية إلى مستوى لا تستطيع تحمله الشركات السعودية الصغيرة أو المتوسطة، التي غالبا لا تمتلك قسما للبحث والتطوير ما من شأنه التأخر فنيا وعدم القدرة على مواكبة المنافسين. الصناعات غير مشاعة المعرفة، هي تلك الصناعات المعقدة لبعض الأجهزة والمعدات النفطية، خصوصا المستخدمة في التنقيب عن النفط أو حفر آباره أو ضبط إنتاجه، وغيرها من المعدات والأجهزة الكثيرة المستخدمة في صناعتي المنبع والمصب وما بينهما. هذا النوع لا يمكن توطينه، فليس من المنطق أن يصنع قادة هذه الصناعة منافسين لهم بتنازلهم عن براءات اختراعهم أو ملكياتهم الفكرية وميزاتهم التنافسية. الصناعة هي الباب الكبير للتقدم ونهوض الأمم، وهي القيمة المضافة الحقيقية والفاعلة للوطن واقتصاده، بل أحد أهم أدوات القضاء على البطالة، وقد فصلت هذا الموضوع في سلسلة من المقالات بعنوان "الصناعة ترياق البطالة". "الأفكار لا تموت"، أعتقد صحة هذه المقولة بشرط أن يتم استخلاصها من رؤوس أصحابها وبذرها في التربة والبيئة المناسبة لها واحتضانها، وإلا ستذبل وتموت وتذروها الرياح. في قطاع الطاقة عموما، وفي قطاع النفط خصوصا أستطيع القول بكل ثقة ومن تجربة عملية وميدانية بين آبارها برا وبحرا، إن هناك كفاءات وطنية يشار إليها بالبنان. لديهم أفكار مميزة يمكن ترجمتها إلى براءات اختراع، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة التصنيع بل تصدير هذه المنتجات الوطنية، تعزيزا لمبادرة "صنع في السعودية" التي تتبناها وزارة الصناعة. ما العقبات التي تواجه هذه الكفاءات لترجمة أفكارهم إلى واقع ملموس، وما الحلول المقترحة لتدارك هذه الأفكار قبل ذبولها وموتها؟ نكمل ما بدأناه في المقال المقبل بإذن الله.
إنشرها