Author

"هذه عملتنا لكنها مشكلتكم"

|


لم يتبع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، خطوات مخالفة لتلك التي تتبعها البنوك المركزية في الدول المتقدمة، فسياسة أسعار فائدة منخفضة هي السائدة في الساحة العالمية منذ أعوام وليس الآن فحسب، حتى إنها قاربت الصفر في بلد مثل بريطانيا، التي تسعى، كغيرها من الدول، إلى تنشيط اقتصادها، ولا سيما في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة الناتجة عن تفشي وباء كورونا المستجد. والتيسير الكمي أسلوب درجت عليه أغلبية دول العالم، لتحريك اقتصاداتها ولتوفير ما أمكن من فرص العمل، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان الجانب السياسي لهذا الأمر، الذي تعلق عليه الأحزاب الحاكمة آمالا كبيرة في الإبقاء على وضعها الانتخابي قويا، للاستمرار أطول فترة ممكنة في السلطة.

انخفاض الفائدة لعملة ما، يعني - بالضرورة - تراجع قيمة هذه العملة بصورة تصل أحيانا إلى مستويات خطيرة أو حرجة. جون كوناللي وزير الخزانة في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، قالها بوضوح قبل أربعة عقود من الزمن، حين اشتكت الدول من تضرر اقتصاداتها بفعل تراجع الدولار الأمريكي "هذه عملتنا لكنها مشكلتكم".

ومع تراجع قيمة الدولار في الوقت الراهن، خصوصا في ظل المعايير الاقتصادية الجديدة التي فرضتها الجائحة، يرى البعض أنه يمكن أن تنشب حرب عملات شاملة على مستوى العالم. والسياسة النقدية التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حاليا، تقوم على التساهل عبر السماح للتضخم بالارتفاع ومعه البطالة، فترة طويلة، وهو أمر يعني أن تدهور الدولار سيتواصل في المرحلة اللاحقة. وهذا يعني ببساطة، تضرر اقتصادات عديدة ترتفع عملاتها مباشرة أمام العملة الأمريكية، أو في أحسن الأحوال، تعرض هذه الاقتصادات للضغوط القوية، في الوقت الذي تعمل على تقليل مستوى الركود الذي أصابها بفعل كورونا.

إن استراتيجية جيروم باول رئيس المجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي، القائمة على تأجيل أي قرار بشأن رفع معدلات الفائدة، ستشجع وفق كل الخبراء، التجارة على المراهنة على اليورو بمستويات قياسية. وفي الأسبوعين الماضيين، حققت العملة الأوروبية ارتفاعا مستمرا مقابل العملات الرئيسة الأخرى، لكن هذا الأمر أحدث توترا كبيرا على صعيد واضعي السياسة النقدية الأوروبية. فالاتحاد الأوروبي، الذي أطلق قبل أسابيع حزمة تاريخية هائلة في مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة، لا يرغب كبقية الدول في وصول عملته إلى مستويات مرتفعة، تنال في النهاية بصورة أو بأخرى من عملية الإنقاذ الاقتصادية الراهنة، مع ضرورة الإشارة إلى عدم التناغم الاقتصادي أصلا بين هذا الاتحاد والولايات المتحدة، بفعل الخلافات التجارية بين الطرفين.

ومن هنا تبرز الاحتمالات التي أشار إليها بعض الخبراء، لإمكانية نشوب حرب عملات عالمية، هي في الواقع آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد الدولي حاليا.

وكلنا يتذكر المشكلات الكبيرة بين الولايات المتحدة والصين بشأن اتهامات الأولى للثانية بالتلاعب بعملتها لدعم حراك التصدير، وأحدثت هذه المشكلات قلاقل كبيرة في العامين الماضيين، ولم تنته حتى الآن، وإن اختلفت أدواتها. المشكلة اللافتة هنا، هي أن الأوروبيين مقتنعون بوجود قوى تحرك سعر صرف اليورو أمام الدولار الأمريكي، ما يعني أن الأبواب مفتوحة الآن لقيام الجانب الأوروبي بالتحرك لضبط أسعار الصرف بما يتناسب مع سياسته المالية الراهنة. خيارات البنك المركزي الأوروبي محدودة في مواجهة هذه المشكلة، لأن الفائدة لديه بلغت الصفر، وهو أمر يحد من حركته. إنها مسألة خطيرة بالفعل، في وقت يحتاج العالم إلى كل تعاون ممكن من أجل الخلاص من تبعات وآثار الجائحة.

إنشرها