Author

الاقتصاد السعودي .. مؤشرات مبشرة

|

مع التداعيات الخطيرة والمخاطر الصحية لانتشار مرض فيروس كورونا، وتراجع أسعار النفط بشدة نتيجة تراجع الطلب العالمي وتخمة المعروض، تعرضت إيرادات المالية العامة لصدمة تراجع حاد غير متوقعة. ولم تكن المملكة الوحيدة في ذلك، بل إن العالم أجمع عانى تلك التداعيات الاقتصادية، وتضرر الجميع في العالم تقريبا من انخفاض إيرادات الميزانيات بنسبة تجاوزت 20 في المائة. لكن هذا الوضع لم يكن ليحد من مرونة وقدرة المملكة واقتصادها الوطني على القيام بإجراءات مزدوجة، من حيث دعم القطاع الصحي الخدمي من جهة، ودعم القطاع الخاص والقطاعات الإنتاجية من جانب آخر، فمواجهة الجائحة كانت تتطلب إيقاف الأنشطة الاقتصادية تماما لفترة امتدت بضعة أشهر. كما تم تقليص عدد الموظفين العاملين في جميع القطاعات والاعتماد على نماذج العمل عن بعد، وخلت الأسواق من روادها والشوارع من الناس، وهذه الإجراءات الاحترازية التي امتدت لشهور، كانت كافية لتدمير الهياكل الاقتصادية الإنتاجية ورفع مستويات البطالة مع تزايد حالات الإفلاس.

وتشير التقارير، التي نشرتها "الاقتصادية" تباعا من جميع أنحاء العالم، إلى معاناة الدول من هذه التداعيات وتزايد حالات الإفلاس، لكن الاقتصاد السعودي، بفضل من الله ثم بفضل القيادة الحكيمة له، يعبر هذه الجائحة، ويعود الناس إلى العمل دون حدوث مشكلات هيكلية عميقة، أو تصاعد أعداد العاطلين. لقد كانت الرسالة الأولى، التي أطلقتها الحكومة السعودية مع حزمة الحلول الاقتصادية التي وصفت حينها بالمؤلمة، أن الحكومة تعمل على عدم خسارة الاقتصاد للمنجزات المحققة والانطلاقة القوية لبرامج الرؤية، ولهذا أطلق في الأيام الأولى للأزمة برنامج بقيمة 50 مليار ريال، يستهدف دعم القطاع الخاص، تم تخصيصها كي تحقق المؤسسات توازنا في رأس المال العامل لديها، من خلال ثلاثة محاور. الأول، تأجل الدفعات بنحو 30 مليار ريال، والثاني بتمويل الاقتراض بنحو 13.2 مليار ريال، والثالث بدعم ضمانات التمويل بنحو ستة مليارات. كما تم إطلاق حزم أخرى لدعم القطاع الخاص، بلغت 218 مليار ريال، وفق برامج محددة، إضافة إلى الدعم السخي جدا الذي وجده القطاع الصحي لمواجهة كورونا.

واليوم، وبعد مرور أكثر من تسعة أشهر من ظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية، فإن إعلان وزير المالية بالأمس، من أن مؤشرات الاقتصاد السعودي إيجابية، إذ بدأ يتعافى بشكل جيد، وأن الجائحة لن تؤثر في الخطط بعيدة المدى، فإن ذلك يدعو إلى الارتياح، خاصة مع إعلان توفر 70 مليار ريال من السيولة يمكن ضخها في الوقت المناسب. وهذا الإعلان يكفي لمنح أي اقتصاد دفعة معنوية كبيرة، وظهرت الاستجابة مبكرة لهذه النتائج الجيدة مع عودة سوق الأسهم السعودية إلى مسارها التصاعدي، بل استطاعت أن تشطب الخسائر كافة، التي تسببت فيها الجائحة، كما استطاع سهم شركة أرامكو أن يعود بقوة إلى مستويات ما قبل الأزمة النفطية. هذه النتائج المبشرة للاقتصاد السعودي، تأتي نتيجة لكل الخطوات والخطط المحكمة، التي انتهجتها الحكومة السعودية لحماية المواطنين من الجائحة، وأعادت توجيه الموارد إلى الصحة، والتأكد من توظيفها بالصورة الصحيحة، كما أظهرت نتائج المحافظة على خطط وبرامج رؤية المملكة 2030، النجاح الكبير بشأن الاستثمار في التقنية، وغيرها من القطاعات الأخرى، وتنشيط السياحة المحلية التي حققت نسبة نمو بلغت 10 في المائة.

وأكدت تقارير مؤسسة النقد، التعافي الكبير للاقتصاد السعودي، مع تسجيل السيولة "عرض النقود ن3" أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع بلوغها 2.063 تريليون ريال، وتأتي هذه النتيجة مؤشرا على نجاح السياسة النقدية التوسعية، لتعزيز الطلب الكلي، ودعم الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف، وهي السياسة التي أسهمت في نمو السياحة الداخلية بمعدل كبير وقياسي بلغ 10 في المائة، كما حققت النجاح المنشود في الحد من البطالة، وتجنب الانكماش الاقتصادي، الذي قد يطول في باقي دول العالم. هذه الروح، وهذا النجاح في الاقتصاد الوطني العريض، منحا المملكة نجاحا مماثلا في قيادة مجموعة الدول العشرين، التي ضخت نحو 12 تريليون دولار لدعم الاقتصادات العالمية، وشملت الدول الفقيرة في مختلف أنحاء العالم.

إنشرها