عما قريب هل تفتقد الأسواق دونالد ترمب؟

عما قريب هل تفتقد الأسواق دونالد ترمب؟

عما قريب هل تفتقد الأسواق دونالد ترمب؟
ترمببايدن

سيبدو العالم مختلفا تماما إذا فاز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر).
اعتاد المستثمرون في الأسواق العالمية على تغريدات دونالد ترمب الاستفزازية واهتمامه الشخصي القوي بقوة مؤشر الأسهم الأمريكية. مع أن كثيرين لم يعجبهم نهجه في السياسة الدولية ويشعرون بالقلق بشأن الرسوم الجمركية والحروب التجارية والحرب الباردة الجديدة مع الصين، إلا أنهم استمتعوا بتخفيضاته الضريبية وترويجه الذي لا هوادة فيه للوظائف والنمو.
في حين أن تعامله مع الوباء له منتقدوه إلا أن رغبته في فتح مزيد من الأعمال لها أنصارها بين مجتمع الاستثمار. رغم الإنذارات وبعض العناوين الصادمة فإن مؤشرات الأسهم الأمريكية كانت تتقدم العالم قبل أن يضرب الفيروس، وتتقدمه الآن خلال مرحلة تعافي السوق. ارتفع صندوق فاينانشيال تايمز نحو 3 في المائة على أساس سنوي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاستثمار الكبير في المؤشرات الأمريكية بقيادة بورصة ناسداك المليئة بأسهم شركات التكنولوجيا.
وضع جو بايدن الآن قوي في الانتخابات ما لم يرتكب خطأ يجعله يخسرها. ليس فقط أنه متقدم بنسبة 8 في المائة أو نحو ذلك في استطلاعات الرأي الوطنية، وإنما الأهم من ذلك هو أنه يتقدم في أغلب الولايات المتأرجحة الحاسمة.
تظهر استطلاعات الرأي على مستوى كل ولاية أن الرئيس صامد في تكساس وألاسكا، لكنه من المتوقع أن يخسر فلوريدا، ووسكنسن، وبنسلفانيا، وبالتالي هو معرض لفقدان منصبه. استندت حجة ترمب إلى إعادة انتخابه إلى حد كبير على النجاح الاقتصادي ومعدلات التوظيف المرتفعة، لكن هذه الحجة تعاني ضربة سيئة من الركود الكبير والحاد الناجم عن سياسات مكافحة الفيروس.
يعتقد نشطاء ترمب أن بإمكانهم خفض انتشار الفيروس أكثر قليلا، وتخفيف بعض المخاوف في الوقت الذي يرخصون فيه مزيدا من العلاجات، ويخفضون معدلات الوفيات ويحاولون تسريع اللقاح. ويشعرون أن ذلك سيمنحهم الحق في أن يسمع صوتهم فيما يتعلق بالاقتصاد، حيث لا تزال استطلاعات الرأي تضع الرئيس في المقدمة.
وستتمثل جاذبيتهم في أن الرجل الذي منح الأمريكيين اقتصادا رائعا قبل الوباء هو الرجل الذي سينعش الاقتصاد بسرعة من عمليات الإغلاق. يغلب على ظني أنهم سيسعون إلى إلقاء اللوم على حكام كاليفورنيا، ونيويورك، والمدن والولايات الديمقراطية الكبيرة الأخرى، في الضرر الاقتصادي الناجم عن الإغلاق الشديد ولفترة طويلة زائدة على الحد. هذا يعني أنه لا يمكن للمستثمرين استبعاد فوز ترمب لكن يتعين على حملته أن تفعل كثيرا من أجل تحقيق نتيجة مفاجئة.
إذن، ما الذي يمكن أن يتوقعه المستثمرون إذا انتصر الديمقراطيون؟ تعهد جو بايدن بزيادة الضرائب الشخصية وضرائب الشركات بشكل كبير، ما يهدد القيمة المستقبلية للأسهم. وهو يريد أن تتبنى الولايات المتحدة الثورة الخضراء، على عكس سياسة ترمب المتمثلة في الدفع بقوة لمزيد من الاستثمار في النفط والغاز والفحم لجعل الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا من الوقود الكربوني. وجود ديمقراطي في البيت الأبيض من شأنه أن يسبب الضيق لشركات النفط والغاز من خلال الضرائب والتنظيم، بينما يقدم مزيدا من الدعم والقوانين المواتية للطاقة المتجددة. سيكون لذلك تأثير إضافي في القطاعات وقيمة الأسهم.
في الوقت الحالي، أنا أتولى إدارة المراكز الأمريكية في صندوق فاينانشيال تايمز لكني سأراقب الأحداث والمشاعر العامة بعناية شديدة مع اقتراب يوم الانتخابات. فريق بايدن يقوم بتسويقه على أساس مجموعة من المقترحات التي تدور حول مقارنة شخصيته بشخصية ترمب. فهو المرشح المتعاطف، رئيس مجلس الإدارة الذي سيستمع ويحترم الحلفاء والخبراء والرأي الدولي. وسيضع سياسات جديدة قائمة على ائتلافات الوضع الرائج والمقبول. سيكون معاديا للصين، لكنه سيرغب في إشراك الحلفاء بشكل أكبر في الضغط على الصين لتحسين سلوكها في كل شيء من التجارة إلى الحريات المدنية. سيكون أكثر حذرا عند التعامل مع الفيروس، وأكثر ميلا إلى الضوابط للحد من انتشاره.
بعيدا عن الولايات المتحدة، كان هذا عاما آخر اتسم فيه أداء معظم العالم بأنه أداء سيئ. لم تستثمر محفظة "فاينانشيال تايمز" في مؤشرات الاتحاد الأوروبي واليورو الرئيسة. النمو البطيء قبل الدخول في حالة الإغلاق، متبوعا بأضرار اقتصادية كبيرة من سياسات مكافحة الفيروس أدى إلى دفع أسواق الأسهم إلى الأدنى.
الافتقار إلى عمالقة تكنولوجيين يستغلون الرقمنة السريعة والمفروضة على كثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية أدى إلى ترك الانتعاش في أسواق الأسهم القارية يتخلف مسافة لا بأس بها وراء مؤشر ناسداك الذي يحلق عاليا. أدت أحداث الوباء إلى تسريع التحول الرقمي لاقتصاداتنا، وهو موضوع كتبت عنه كثيرا. هذا التحول ينقل مزيدا من الانتقال من الشركات التقليدية إلى الشركات عبر الإنترنت، وفي الوقت نفسه من الشركات الأوروبية إلى الشركات الأمريكية.
الاتجاه طويل المدى راسخ منذ أعوام عديدة. في الوقت الذي نشاهد فيه مؤشر ناسداك يصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بشكل يومي تقريبا، تقبع أسواق الأسهم الإسبانية والإيطالية بالقرب من نصف مستوى قممها الأخيرة على الإطلاق التي تم الوصول إليها عام 2007. ولا تزال سوق الأسهم الفرنسية دون المستوى المرتفع الذي حققته عام 2000، في حين أن سوق الأسهم اليابانية لا تزال على مسافة بعيدة من أعلى مستوى لها في 1989.
كان القول المأثور هو أنه يمكنك شراء الأسهم في الجزء العلوي من سوق صاعدة وتأمل في الحصول على عوائد جيدة في الدورة التالية حتى لو خسرت كثيرا في السوق الهابطة الفورية التي تعقب عملية الشراء. لم يكن هذا صحيحا بالنسبة لأهم الأسواق في هذا القرن. حتى الصين ذات الاقتصاد الذي نما بسرعة على مدى الـ 13 عاما الماضية وتعافى من الوباء بشكل أسرع من غيره، لا تزال أدنى بكثير من أعلى مستوياتها عام 2007.
قد يكون هناك انتعاش أفضل في الأسهم التقليدية والقطاعات غير التكنولوجية مع تقدم الانتعاش الاقتصادي العالمي العام. سيكون هناك بعض معدلات النمو السريع في الأرباح مع عودة توزيعات بعض الأرباح في القطاعات والمناطق الجغرافية الأكثر تضررا من ركود الفيروس. الشركات التي تنجو من القطاعات المتضررة بشدة قد تبرز في وضع أقوى حين يأتي الوقت المناسب.
رئاسة بايدن ستعزز الروابط بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وستعمل على إيجاد قضية مشتركة للضغط في سبيل الثورة الخضراء معا. إلى حد كبير ربما يرغب بايدن في فرض ضرائب أكبر على الشركات الرقمية الأمريكية العملاقة مع بقية قطاع الشركات، وقد يرغب في تنظيمها أو حتى تفكيكها. كل هذا يمكن أن يغير الاختلال الحالي في تفضيلات المستثمرين.
لكنه لن يكون قادرا على كبح أو تغيير حماس العالم لكل شيء عبر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، والبيانات الرقمية، والمساعدة الشخصية عبر الإنترنت. ستحتفظ الشركات الرقمية العملاقة بكثير من مكاسب السوق المتسارعة التي حققتها أثناء الإغلاق وستستمر في غزو أسواق جديدة وتقدم لنا خدمات لم نكن نعلم أننا نريدها.
ستكون هناك فجوة رقمية متزايدة بين الغرب والصين، ما سيؤثر أيضا في قيم الأسهم. من المحتمل أن تكون الأسابيع القليلة المقبلة صعبة في الوقت الذي تتأرجح فيه الأسواق حول تغيير محتمل للرئيس والقلق بشأن مدى السيطرة على الوباء. في الوقت الحالي تحظى الثورة الرقمية بتقدير كبير في الوقت الذي ننتظر فيه مشاعر عامة واتجاهات جديدة في الأسواق. كل هذا الاتجاه الصعودي يعتمد بالطبع على استمرار أسعار الفائدة المنخفضة وكثير من التحفيز من البنوك المركزية والحكومات.

* السير جون ريد وود هو كبير الاستراتيجيين العالميين لدى تشارلز ستانلي. صندوق فاينانشيال تايمز هو محفظة وهمية تعليمية.

الأكثر قراءة