«وصية بدر» .. حبكة جديدة لقصة متكررة طواها الزمن
يبدو العنوان "وصية بدر" كحكاية جديدة، أو قصة درامية نسجها كاتبها للخروج بجوهرة ثمينة، تضاف إلى رصيد الأعمال السعودية النفيسة، لكن القصة لم تكن جديدة كليا، ولا سيما أنها تستعيد قصص الإرث، الميراث الذي فرق الإخوة و"قسم العرب عربين" كما يقال في الأمثال، في "ثيمة" يحاول المشاهد أن يتناساها، بعد أن غلبت على الأعمال الدرامية الخليجية خلال العقد الماضي.
30 حلقة آخرها كان اليوم، عاش معها المشاهد مشاعر متناقضة، حب وكره وفرح وحقد، تمكنت من إيصال رسالتها عبر مواقف وأحداث مستنبطة من الواقع، مع حبكة جديدة بدت متوقعة منذ الحلقات الأولى، لكنها نجحت في استقطاب انتباه المشاهدين، بشهادة كثيرين منهم، الذين عبروا من خلال منصات التواصل الاجتماعي عن إعجابهم بالمسلسل، وانتظروا حلقاته يوميا.
وصية بشروط
من العسير أن نحكم على العمل من غلافه، ولا سيما أن "وصية بدر" عمل مليء بالنجوم المخضرمين والشباب، على رأسهم النجمان محمد الطويان وليلى السلمان، والنجوم يعقوب الفرحان ومهند الحمدي، وإخراج خالد الرفاعي، بمشاركة باقة من الفنانين المتميزين مثل نغم المالكي، سارة اليافعي، ضي، عبدالله الحمادي، سالي زاك، مرزوق الغامدي، ناجية الربيع، نايف الفواز، عبدالرحمن الريمي، عبدالله أحمد، شيماء الفضل، وآخرين.
في نطاق دراما اجتماعية، يدور العمل في فلك فكرة أن الإنسان لا يجب أن يحكم على تصرفات الآخرين دون النظر إلى الظروف التي اضطرتهم إلى ذلك، بل يجب عليه أن يضع نفسه مكان الآخر، وفي الظروف ذاتها، ليحكم حينها على تلك التصرفات.
يتناول "وصية بدر" قصة أم سلطان وأبنائها الخمسة، ثلاثة ذكور وابنتان، الذين تركهم والدهم منذ أكثر من 20 عاما دون تواصل، ويتلقون خبر وفاته فجأة، مع ميراث ضخم يبلغ نحو 80 مليون ريال، مع شروط للحصول على ملايين الوصية.
لكن الوصية على غير عادة أي وصية تقليدية، كانت تشترط على الأبناء أن يفترقوا، لا يكلم بعضهم بعضا لمدة عام كامل، ولا يتواصلون مع أمهم أو أي من الأقارب، وأن ينتقل كل واحد منهم إلى مدينة مختلفة، يبدأ فيها حياته من الصفر، تاركا خلفه ما حققه من نجاح في حياته العملية، ولا يكشف هذه الشروط لأي ممن يقابلهم، في حبكة جديدة وفريدة تحسب للمسلسل.
هذه الظروف الصعبة، والشروط القاهرة، تبدو يسيرة أمام ملايين الوصية، التي كشف عنها محام لوالدهم، الذي يؤدي دوره الفنان عبدالعزيز السكيرين، كضيف شرف في المسلسل، ويقف على مرمى حجر من الاختبارات التي وضعت أمام الأبناء الثلاثة.
من وصية إلى مكافأة
16 حلقة من عمر "وصية بدر"، لم يظهر فيها بطل المسلسل محمد الطويان، الذي تتصدر صورته واسمه تتر العمل، ليظهر في المرة الأولى في مشهد يتيم آخر الحلقة الـ17، ما يكشف للمشاهد عن حبكة العمل الدرامي بطريقة غير مباشرة، ويجعلها مكشوفة ومتوقعة، دون انتظار الحلقات الأخيرة.
لو كتب المسلسل لحقبة الثمانينيات لكان يبدو أكثر إقناعا من شكله الحالي، خصوصا في ظل الغزو التقني، ووجود الهواتف المتنقلة ووسائل التواصل الاجتماعي، فكيف يسافر شخص إلى مدينة أخرى، ولا تتمكن والدته من تتبعه إلكترونيا، أو الاتصال به وبزوجته، أو البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى الاستعانة بالشرطة والدوائر الأمنية. في المقابل، تضمنت حلقات المسلسل عددا من الزيارات العائلية أو الزيارات بين الأصدقاء بغرض تبليغ رسالة محددة، كان يمكن إيصالها عبر الهاتف، واستثمار دقائق المسلسل بعيدا عن الإطالة الزائدة.
أما أم سلطان، التي تريد إفشال الوصية بأي شكل من الأشكال انتقاما من طليقها، فلم تتحرك بما يكفي، حسبما تنقل "الاقتصادية" عن آراء مشاهدين للعمل، في الوقت الذي كان يحاول فيه والد الأبناء الثلاثة أن يعلمهم درسا، وأن يبرئ نفسه في نظرهم، بعدما اضطرته الظروف إلى ترك زوجته وأبنائه طوال هذه الفترة الطويلة، مفتعلا قصة وصيته بهدف واضح، وهو أن يمر أبناؤه بالظروف ذاتها التي مر بها، ودفع ملايين لتحقيق ذلك، وهو ما يكشفه لهم حينما يلتقيهم بعد نهاية الرحلة، لتصبح الوصية مكافأة لهم، وليست وصية بمعناها الحرفي.
نصف الحقيقة
دائما هناك جانب آخر من الحكاية، هذه الحقيقة البسيطة التي أكدها "وصية بدر"، وهناك حاول محمد الطويان أن يروي لأبنائه النصف الآخر من الحقيقة، لكن بالطريقة الصعبة.
حمل العمل الدرامي السعودي، الذي بث على منصة "شاهد" الترفيهية، رسائل مهمة، لكنه تعامل مع المشاهد بمنطق "المشاهد فاقد الذاكرة"، مستندا إلى إعادة لقطات ومشاهد كاملة، لتقدم الصورة بتفاسيرها، حتى إن وصل الأمر إلى إعادة المشهد ثلاث مرات، مثل مشهد قصة الابن الذي يبحث عن والده، وحينما وجده، اكتشف أنه قد أصبح مليونيرا، وهي عادة مسلسلات الإرث، التي يخرج فيها الابن المجهول في اللحظة المناسبة، لمطالبة إخوانه غير الأشقاء بجزء من الملايين، وهو ما حدث أيضا في مسلسل "الميراث"، وعشرات من المسلسلات الشبيهة.
دخل الابن الباحث عن والده في اللحظة المناسبة، أثناء اجتماع العائلة والحديث عن الوصية، بلا سابق مقدمات، دخل مباشرة إلى الغرفة، دون أن يوقفه أحد، أو يوجه إليه أحد سؤالا واحدا حول كيفية اقتحامه المكان، تجاوز كل هذا ودخل في صلب الموضوع باحثا عن نصيبه.
كأي عمل درامي يصيب ويخطئ، مر "وصية بدر" بمجموعة من الأحداث اللا منطقية، مثل دفع أحد الأبناء عربونا لشراء أرض لا يملك ثمنها، وكذلك مقتل الشاب منصور، تلا ذلك المشهد وجود الفتاة نوف التي أحبته لحظة العثور على جثته في منزله، في مصادفة غريبة، وكان معها ابن خالها، ولو افترضنا أن الأخير في سلك الشرطة، فكيف وُجد هناك مرتديا الثوب، ولاحقا كيف وصل صديق القتيل إلى منزل تلك الفتاة، وأبلغها بتفاصيل اللقاء الأخير مع الضحية.
وكذلك الأمر حين تزعم فتاة أنها تزوجت بندر، الابن الأصغر لصاحب الوصية، وهو غائب عن الوعي ولا يتذكر عقده للزواج، لا يتذكر شيئا بسبب العقاقير المنومة التي يتعاطاها، بل وتزعم أنها حامل منه، بتدبير من صديقه، الذي يخبره بأنها وشقيقها يطلبان عشرة ملايين ريال، وحتى تكتمل اللعبة، زعم صديقه لاحقا أنها انتحرت بسببه، ووسط كل هذه المزاعم لا يتحقق بندر من تلك الافتراءات كما يفترض، مثل التحقق من عقد الزواج، أو جثة الفتاة، أو صحة الحمل، أو أي مزاعم تتعلق بهذا الزواج المريب.
ربما الضرورة الدرامية فرضت هذه الأحداث على العمل بالطريقة التي تمت بها، إلا أن "وصية بدر" يمكن تصنيفه بالعمل الناضج، المليء بالمواقف الدافئة والأحداث المعبرة والإيجابية، التي افتقدت دراميا، مثل علاقة الابن البكر بوالدته، اللذان تحملا معا الصعاب بعد غياب الوالد، وحنان الأب وتعامله مع بناته، ومواقف الحب والغيرة بين الأزواج، التي تناولتها كل حلقة من حلقات المسلسل.