Author

قراءة في حرب التيارات الكهربائية

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

في أواخر القرن الـ 19، وقعت معركة أو حرب كهربائية في الولايات المتحدة بين فريقين لتحديد النظام الكهربائي، الذي سيشغل أجهزة ومعدات القرن الجديد. يضم الفريق الأول توماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي بدعم قوي من رجل الأعمال جون مورجان، الذي نسق دمج شركتي إديسون جنرال إليكتريك وشركة طومسون هيوستن إليكتريك لتصبح شركة جنرال إليكتريك. بينما ضم الفريق الثاني جورج وستنجهاوس مخترع المحرك البخاري الدوراني الذي يعد رائد الصناعة الكهربائية، وبدعم فني من حليفه نيكولا تسلا المخترع والمهندس الكهربائي. آمن الفريق الأول أن التيار الكهربائي المستمر هو الذي يجب أن يسود ويعمل، لكن عارضه الفريق الثاني بحجة عدم كفاءة وقدرة التيار المستمر على نقل الطاقة الكهربائية وجاء بفكرة التيار الكهربائي المتردد، كان النظام السائد آنذاك هو التيار المستمر، وبحكم قدرة إديسون على فرض وبسط فكرة المصباح المتوهج ومولدات التيار المستمر وتوافر عوامل السلامة بها، راج نظامه وتوسعت أعمال شركته الوحيدة التي تصنع مصابيح كهربائية لحقوق ملكية مطلقة. أبهر إديسون العالم بإضاءة مانهاتن وارتفعت أرباح شركته، حيث أنشأت 121 محطة طاقة لشركة إديسون في الولايات المتحدة لتزويد الكهرباء بنظام التيار المستمر عام 1887. منذ قدوم الفريق الثاني باختراع آخر يهدد مصير شركة إديسون، اندلع الصراع لأكثر من عشرة أعوام في معركة تقنيات وأفكار وجدل عنيف في الصحف والمنابر وتجارب حية من قبل إديسون للتنديد بالتيار المتردد وتبيان خطورته. لقد وجد وستنجهاوس وتسلا عيوبا فادحة في التصميم الحالي لإديسون وراهنا على نجاح فكرة التيار المتردد. وفي عام 1893، تنافس الفريقان على إضاءة معرض شيكاغو العالمي وتفوق وستنجهاوس حينما اخترع مصباحا كهربائيا يضاء بالتيار المتردد وتكاليف اقتصادية أقل. وعليه انتصر وستنجهاوس وتسلا على إديسون واعتمد عندئذ التيار الكهربائي المتردد وانتشر في جميع أنحاء العالم في مجالات توليد الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها.
رغم انتهاء حرب التيارات منذ أكثر من 100 عام، فهل كانت النتيجة منصفة؟ بعد انتشار التيار المتردد عالميا لوحظ عدم جدوى نقل الطاقة الكهربائية اقتصاديا بقدرات عالية عبر مسافات طويلة أو ممرات بحرية، وعليه استخدم نظام نقل الطاقة الكهربائية بواسطة التيار المستمر تجاريا منذ عام 1954. وقامت شركة ABB ببناء أول خط نقل تيار مستمر عالي الجهد بين جزيرة جوتلاند والأراضي السويدية، بقدرة 20 ميجاواط و100 كيلو فولت لمسافة 100 كيلومتر عبر كابلات بحرية. ومنذ بزوغ نجم الشبكات الذكية في أواخر القرن الماضي أصبح التوجه نحو رفع مستوى كفاءة الطاقة ضرورة ملحة، حيث يفقد كثير من الطاقة الكهربائية باستخدام التيار المتردد. لقد أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية العام الماضي فقد أكثر من 60 في المائة من توليد الكهرباء نتيجة تحويل الطاقة الكهربائية. واتجه كثير من البحوث والدراسات أخيرا في مجال توزيع الكهرباء باستخدام التيار المستمر، نظرا لكفاءته العالية وتدني فقده الكهربائي مع المتغيرات الحالية مثل الطاقة المتجددة. ختاما نستطيع أن نقول، إن نتيجة تلك الحرب لم تكن منصفة بالنسبة لإديسون إذ كان الأولى أن يكتب التاريخ أن كلا الفريقين منتصر. لقد خسر العالم مجالا خصبا للتيار المستمر منذ انتهاء الحرب بين الفريقين المتنافسين، خصوصا أن أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية وبطاريات التخزين والسيارات الكهربائية وغيرها تعمل في الوقت الحاضر بالتيار المستمر، لكن تحول إلى التيار المتردد ما يسبب فقدا كهربائيا إضافيا يضيع هدرا.

إنشرها