Author

السياحة العالمية من سيئ إلى أسوأ

|
كاتب اقتصادي [email protected]
في خمسة أشهر تراجعت حركة وصول السياح الأجانب إلى أكثر من النصف
أنطونيو جوتيرش، أمين عام الأمم المتحدة
تصدر قطاع السياحة والسفر قائمة القطاعات التي تعرضت للضرر الأكبر من جراء تفشي وباء كورونا المستجد. فمنذ الأيام الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة الناجمة عن هذا الوباء، توقفت السياحة حول العالم بشكل شبه تام. هذا القطاع خصوصا منتج كبير لعدوى كورونا بحكم طبيعته التي تقوم أساسا على التحرك والاختلاط والتنقل. كان لا بد من إقفاله تماما حتى تتضح الصورة العامة عالميا، بشأن جائحة لم يتوقعها أحد، فضلا عن فشل العالم حتى الآن في العثور على لقاح يحد أضرارها، ويحصر مخاطرها، ويحولها إلى مجرد مرض موسمي عادي، شأنه شأن الإنفلونزا الشتوية. ولذلك كانت السياحة الضحية الأولى على الساحة الاقتصادية العالمية، حتى إنها لم تشهد أي انتعاش في أعقاب إقدام كل الدول على فتح اقتصاداتها مجددا بصورة تامة أو جزئية.
في الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري، خسرت السياحة أكثر من 320 مليار دولار من عائداتها. وهذا أمر ليس غريبا، لأن القطاع كان بلا حراك. فضلا عن الخسائر الهائلة التي تكبدتها شركات الطيران ذات الصلة، التي اتخذت بدورها قرارات موجعة ألغت طلبيات من الشركات المصنعة للطائرات، وفي أحسن الأحوال جمدت بعضا منها إلى حين جلاء الوضع، ما دفع هذه الأخيرة إلى طلب العون المالي من الحكومات، بما فيها "بوينج" الأمريكية و"أيرباص" الأوروبية. فإذا لم يكن هناك سائح لا توجد بالضرورة رحلات، وبالتالي لا معنى لطلب طائرات جديدة أو استئجارها. وهذا الأمر ينطبق بالطبع على وسائل النقل الأخرى البرية والبحرية، التي لا تزال تعاني الاضطراب الخطير في سوق السياحة عموما.
لا توجد شركة سياحة واحدة في أغلب الدول لم تطلب المساندة المالية، بينما خرجت المئات منها من السوق نهائيا. والعشرات من شركات الطيران الناقلة الكبرى، تحولت في الواقع إلى ملكية حكومية، بهدف منعها من ترك السوق إلى الأبد. بعض هذه المؤسسات يتمتع بوضعية معنوية لكثير من الدول، الأمر الذي دفع الحكومات إلى نجدتها في أسرع وقت ممكن. ورغم عمليات الإنقاذ هذه، إلا أن كل الشركات التي تختص بالسياحة والنقل الجوي والبحري والبري، أقدمت على عمليات تسريح أعداد كبيرة من موظفيها. بعضها سرح 50 في المائة منهم، وبعضها الآخر اكتفى بنسب أقل، على أمل عودة القطاع إلى الحياة مجددا قبل نهاية العام الحالي. لكن الأمور تسير عكس كل الآمال المطروحة، بينما تتحمل الموازنات العامة للدول التي تتمتع بزخم سياحي تاريخي هائل الخسائر من العائدات السياحية المفقودة.
ومع إعادة تحريك الاقتصادات حول العالم جاءت الأخبار القاتمة من منظمة السياحة العالمية، التي أعلنت أن أوضاع القطاع السياحي العالمي تتجه من سيئ إلى أسوأ، وأن الجائحة أهدرت مئات المليارات من الدولارات التي كانت تدخل في خزائن الدول التي تعتمد بصورة كبيرة على عوائد القطاع لتمويل إنفاقها العام. في العام الماضي بلغ عدد السياح الدوليين الوافدين 1.5 مليار سائح، بارتفاع وصل إلى 4 في المائة، في حين أضافت السياحة الداخلية نحو 8.8 مليار وافد. وفر هذا العدد الهائل من السياح 1.5 تريليون دولار من صادرات السياحة. وفي الأشهر الأولى من العام الجاري انخفض عدد السياح الوافدين 56 في المائة. في حين خسر مئات الآلاف من العاملين في القطاع السياحي وظائفهم وانضموا إلى قوائم متلقي المعونة الحكومية.
المثير في الأمر، أن في أيار (مايو) الماضي بلغت الأزمة ذروتها، بانخفاض عدد السياح الوافدين 98 في المائة. صحيح أن السياحة الداخلية شهدت في الأشهر القليلة الماضية بعض التقدم، إلا أنها لا تزال دون المستوى المأمول، فضلا عن أن عوائدها لا ترقى من حيث الحجم إلى عوائد السياحة الوافدة. ففي دولة كفرنسا، التي تتصدر قائمة الدول الأكثر استقطابا للسياح فقدت في غضون ثلاثة أشهر فقط 48 مليار يورو من العوائد السياحية. والأمر مشابه بصورة أو بأخرى في دول كإسبانيا وإيطاليا واليونان وبريطانيا وغيرها. ووفق منظمة السياحة العالمية، فإن ما يراوح بين 100 و120 مليون وظيفة في قطاع السياحة عموما صارت في خطر مستمر.
كل التوقعات تشير حاليا إلى إمكانية أن تصل الخسائر في السياحة العالمية إلى 2.2 تريليون دولار بنهاية العام الحالي، إلا أن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" قللت من هذه الخسائر ووضعتها في حدود 1.2 تريليون دولار بنهاية العام الجاري، أو ما يعادل 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. إنها أرقام خطيرة جدا، تضع قطاع السياحة في خطر لن تكون مدته قصيرة، ولا سيما في ظل الفوضى الدولية الراهنة حيال التعاطي مع جائحة كورونا، وعدم اليقين من الوقوف في وجهها. دون أن ننسى أن هناك من يتحدث عن إمكانية حدوث موجة جديدة من الوباء ربما تكون أشد من الأولى.
إنشرها