Author

أين نحن من رفع كفاءة الاستهلاك؟ «3»

|
مختص في شؤون الطاقة
عودا على بدء، ذكرت في المقالين السابقين من هذه السلسلة أن الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور والمدنية النابض، وأن الاستدامة تعني الاستمرارية والثبات، وأن جوهرها تلبية حاجات الحاضر دون المساس بمقدرات الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها الخاصة. نوهت أن الدول التي تعتمد بصورة كلية أو جزئية على الموارد الهيدروكربونية في توليد الطاقة، تعي تماما حقيقة نضوب هذه الموارد، وعليها العمل بالتوازي على رفع كفاءة استهلاك هذه الموارد لإطالة عمرها قدر المستطاع، وإحلال الطاقة المتجددة والبديلة لخدمة ذات الغرض. عرجت على بعض المعلومات عن الطاقة عالميا ومحليا، وسلطت الضوء على بعض البرامج والإجراءات المتخذة في المملكة لرفع كفاءة الاستهلاك، التي أعتقد أنها تعكس اهتمام الجهات ذات العلاقة حول هذا الموضوع المهم. السؤال موضوع هذا المقال: هل حققت هذه البرامج والإجراءات أهدافها المرجوة، وأسهمت فعلا في رفع كفاءة الاستهلاك؟ سأسلط الضوء من وجهة نظر شخصية على أهم مخرجات وثمار هذه البرامج والإجراءات ومن المصادر الرسمية الموثوقة.
أولا: تحسن بنحو 57 في المائة في كفاءة استهلاك أجهزة التكييف المشمولة في المواصفة، مقارنة بمستواها قبل تحديث المواصفة عام 2012.
ثانيا: بحسب تقرير "مسح الطاقة المنزلي"، الذي نشرته الهيئة العامة للإحصاء، أن نسبة الأسر التي تستخدم أجهزة توفير الطاقة الكهربائية في السعودية، ارتفعت من 26 في المائة في عام 2017 إلى 36 في المائة في عام 2019.
ثالثا: بحسب الكتيب الإحصائي السنوي لصناعتي الكهرباء وتحلية مياه البحر لهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، يتضح أن متوسط استهلاك الفرد في القطاع السكني للكهرباء في السعودية انخفض بنحو 20 في المائة من عام 2015 إلى عام 2019.
رابعا: تحديث الفصل الخاص بترشيد الطاقة في كود البناء السعودي، وإصدار 15 مواصفة للعزل الحراري في المباني، ووضع لائحة فنية للعزل الحراري ليتم تطبيقها بشكل إلزامي على المباني الجديدة، حيث يتوقع أن يسهم ذلك في خفض 40 في المائة من استهلاك الطاقة الكهربائية المستخدمة في أجهزة التكييف.
الحقيقة أن الأرقام مبشرة، وتعكس حقيقة أن هناك عملا جادا لتحقيق الأهداف المخطط لها، التي تصب في الحفاظ على مواردنا واستخدامها بحكمة، لإطالة عمرها قدر المستطاع. هذا لا يعني - في رأيي - أن العمل يخلو من الأخطاء، ولا يعني أنه ليس هناك مواطن من الممكن تطويرها وتحسينها، ولذلك ذكرت في المقال السابق أنه "لا تقويم بلا تقييم دوري يحدد بوضوح مكامن الخلل". رفع كفاءة استهلاك الكهرباء ينسحب كذلك على المياه والوقود بأنواعه وغيرها، وهو في اعتقادي، وأعني هنا رفع كفاءة الاستهلاك، عمل تكاملي يشمل المنتج ومقدم الخدمة والعميل. على المستوى الشخصي نصحني بعض الأصدقاء والزملاء بإغلاق عداد المياه يوميا وعدم فتحه إلا وقت ملء الخزان!، الحقيقة رغم حسن نية الناصحين وحرصهم مشكورين، إلا أن هذا ليس حلا جذريا لمن يعاني ارتفاعا غير منطقي في فاتورة الماء. الحل الحقيقي هو تحديد المشكلة وحلها من جذورها، سواء كانت المشكلة تخص العميل، من تهريب أو خلل في العوامة وغيره، أو كانت المشكلة تخص مقدم الخدمة في حال وجود خلل في العداد أو غيره، فالمهم هو حل المشكلة من جذورها.
إنشرها