Author

«روشن» وسلامة المشاة في الأحياء

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
أعلن صندوق الاستثمارات العامة، قبل أيام، تأسيس شركة عقارية ذات طبيعة استثمارية بعيدة المدى طويلة الأمد باسم "روشن العقارية"، روشن تعني في اللغة العربية الشرفة - المعجم الوسيط. وهذا التأسيس جزء من استراتيجية استثمارية ينتهجها الصندوق.
وجاء في التعريف بالشركة من موقعها أنها إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في المملكة، ويرأس مجلس إدارتها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز. وتعمل الشركة على تطوير أحياء سكنية في أنحاء المملكة من خلال استثمارات طويلة الأمد. التركيز على تسع مدن وأربع مناطق رئيسة - المنطقة الشرقية، منطقة الرياض، منطقة مكة المكرمة، منطقة عسير - على أراض مساحتها تزيد على 150كم2.
طبيعة اختصاص الشركة تعني أن الشركة ستتعاون مع وزارة الإسكان وجهات أخرى ذات صلة، ويطمح أن ينتج من وجود الشركة، وهذا التعاون تعزيز لمستوى جودة حياة مختلف شرائح المجتمع السعودي، تعزيز هذه الجودة يبنى على تحقيق أهداف عديدة. وأذكر من هذه الأهداف:
الأول: زيادة معدلات تملك المنازل.
الثاني: دعم وتنمية قطاع المقاولات ومواد البناء من خلال تبني طرق بناء مبتكرة وتقنيات حديثة.
الثالث: تطوير ورفع المعايير والأداء في القطاعات ذات الصلة بالنشاط العقاري في بلادنا، وتبعا تقليل التحديات وعوامل الفشل.
الرابع: رفع مستوى السلامة والأمان في تصميم وتنفيذ شوارع الأحياء بما في ذلك أرصفة المشاة فيها.
تحقيق هذه الأهداف له متطلبات، وآثار اقتصادية وغير اقتصادية بعيدة المدى محليا وخارجيا. ما التفاصيل وكيف؟ موضوع طويل عريض. وبقية المقال رؤوس أقلام عن الهدف الرابع الأخير.
هناك عيوب مزمنة في تصميم و/أو تنفيذ معظم شوارع الأحياء في بلادنا، وتتضح هذه العيوب في التساهل في وجود بعض متطلبات مهمة لسلامة المشاة والسلامة المرورية. وأسهمت هذه العيوب في زيادة حوادث السيارات وضحاياها وخسائرها.
وزيادة في التفصيل يفتقر معظم شوارعنا، خاصة داخل الأحياء، إلى أرصفة مناسبة للمشاة، وهناك سوء تخطيط في المسار الأيسر عند الإشارات، حيث يكون عريضا أكثر من اللازم لوقوف سيارة وأقل من احتياج وقوف سيارتين. والنتيجة تحفيز على ضعف التزام السائقين بهذا المسار عند الإشارات.
الكل يعلم أن نسبة كبيرة من الشوارع خالية من الأرصفة أصلا، والشوارع المنفذ فيها أرصفة تتصف أن أغلب أرصفتها بها عوائق تجعلها لا تصلح أو لا تحفز المشاة على استعمالها. ولذلك اعتدنا صغارا وكبارا على استعمال قارعة الطريق، أي: السير فيما خصص لسير السيارات رغم خطورة ذلك. والخطورة تزداد كثيرا بالنسبة للأطفال حين خروجهم من وإلى البيوت والمساجد والمدارس.
وخلاف الخطورة هناك جانب تربوي سلبي مهم تربية وتعويد الصغار على تقليل الاهتمام بأمور السلامة المرورية واحترام الأنظمة والتعليمات عامة.
من المعلوم قطعا أهمية تعود أفراد المجتمع على سلوكيات حضارية. وتزيد أهمية هذا التعود في الصغار. في الصغر تتوافر فرصة التنشئة والتربية وتقليد الكبار. وحيثما تتوافر ظروف التنشئة على تقليد السلوكيات الحضارية، فإن النتيجة الدفع تجاه تطبيق تلك السلوكيات في حياتهم. ومن ثم فإن هذا التطبيق يعمل بقوة على تحقيق برامج الرؤية وأهدافها.
يخرج الطلاب من المدارس وهم معتادون على المشي وسط الشوارع وبين السيارات بسبب فقدان أرصفة مشاة مناسبة. والنتيجة تعودهم على سلوك غير حضاري خلاف أن احتمال تعرضهم لحوادث يزيد كثيرا.
إنني لا أدعي أن سير المشاة على الأرصفة يمنع نهائيا حوادث السيارات ضد المشاة، لكن من المؤكد أنه يقلل احتمال وقوعها ويقلل عدد ونسبة المصابين من جرائها بدرجة كبيرة جدا، ومعلوم أن تقليل الأخطار مطلوب.
من جهة أخرى، أسهمت عيوب وعوائق الأرصفة في تقليل ممارسة المشي داخل الأحياء.
المشي عملية سهلة وصحية للفرد والسكان. وتنفيذ الشوارع بما يدعم ويحفز المشي يدل على توجه إيجابي عميق نحو الصحة العامة وصحة الأفراد. سيقل استخدام السيارات وزحامها ومن ثم سيقل التلوث البيئي، وسينخفض عدد وحجم وضرر حوادث السيارات انخفاضا كبيرا.
باختصار، وجود أرصفة مهيأة جيدا لاستخدام المشاة هو من أهم وسائل السلامة لأنها تقلل احتمال تعرض المشاة لأخطار السيارات. وهناك منافع أخرى لهذه الأرصفة. وجودها يسهم في رفع الوعي المروري والسلوك الحضاري واحترام الأنظمة. كما يسهم في زيادة النشاط البدني عبر ممارسة المشي في جو صحي، خاصة لطلاب التعليم العام.
ما المطلوب؟
مطلوب - في نظري - وضع خطة لإصلاح الوضع القائم في كل شوارعنا خلال مدة زمنية كافية تراوح بين خمسة وعشرة أعوام.
كيف؟ ما طبيعة هذه الخطة؟ من يضعها؟ كيف تنفذ؟ موضوع طويل. لكن باختصار، من ضمن الخطة إصلاح كل الشوارع داخل الأحياء سواء تتطلب الأمر بناء من جديد أو تعديلا لقائم أو إزالة وإعادة بناء وغير ذلك. ومقترح تشارك عدة جهات خاصة ثلاث وزارات: الصحة والإسكان والشؤون البلدية.
طبعا تنفيذ الخطة يتطلب دراسات ومراجعات كثيفة ومخصصات مالية. وكل هذا يتطلب دراسات تتناول كل المشكلات والمعوقات القائمة ووسائل التنفيذ. وستترتب على التنفيذ متاعب وتكاليف. لكن محاسنه تبرر تعبه وتكلفته. وسمعت أن هناك لجنة وزارية للسلامة المرورية برئاسة وزير الصحة. ويؤمل من هذه اللجنة تبني الموضوع بكل جوانبه.
إنشرها