FINANCIAL TIMES

تجارة الثعابين .. صناعة حجمها 18 مليار دولار مهددة من كوفيد - 19

تجارة الثعابين .. صناعة حجمها 18 مليار دولار مهددة من كوفيد - 19

تجارة الثعابين .. صناعة حجمها 18 مليار دولار مهددة من كوفيد - 19

تجارة الثعابين .. صناعة حجمها 18 مليار دولار مهددة من كوفيد - 19

البانغولين آكل النمل.

على مشارف بلدة بولاو، على بعد بضع دقائق من طريق ترابي مغطى بالأعشاب يؤدي إلى غابة منطقة جوانجشي جنوبي الصين، يربي هوا شوجيانج أفاعي الكوبرا بالمئات. رائحة حادة وجوقة من الهسهسات الغاضبة تلقانا عندما ندخل في ظلمة مبنى الطوب الأحمر المكون من ثلاثة طوابق. هوا، الذي يربي الثعابين منذ 20 عاما، غير منزعج. يصل إلى أحد الأقفاص في زريبة، يمسك ذيلا ويرفع بشكل عرضي ثعبانا هائجا متذمرا - وساما. أفعى الكوبرا البالغة من العمر أربعة أعوام سميكة بقدر ذراع هوا العضلية وتقريبا ضعف طولها. يضحك هوا عندما سئل ما إذا كانت الثعابين السامة قد عضته من قبل. أجاب، "بالطبع"، مستخدما عمودا معدنيا بخطاف لإبعاد أنيابها عن جسده.
على الرغم من حجمها المثير للدهشة، إلا أن أفاعي الكوبرا جائعة. بعضها مات بالفعل. مضى ستة أشهر على حظر الحكومة الصينية تربية واستهلاك الثعابين وغيرها من أنواع الحياة البرية، ذلك في إطار استجابتها لاكتشاف فيروس كورونا جديد في وسط مدينة ووهان. الآن بعد أن تحول كوفيد - 19 من وباء إلى جائحة، يبدو أن الحظر الصيني قد يصبح دائما، ما يترك هوا مع آلاف الثعابين ولا يوجد مكان لوضعها فيه. يتساءل: "إذا لم تكن هناك سوق، فماذا يمكن أن أفعل بها؟". لتوفير المال، خفض هوا التغذية من خمس مرات أسبوعيا إلى مرة واحدة. مع ذلك، الفريزر الكبير الخاص به فارغ تقريبا من الديوك الصغيرة المجمدة. الجوع يجعل أفاعي الكوبرا مضطربة. يقول: "الثعابين تحارب الثعابين. الثعابين تأكل الثعابين".
كانت تجارة الثعابين مربحة بالنسبة لهوا. قبل الحظر، كان الثعبان يباع مقابل 50 رنمينبي (أكثر من سبعة دولارات) للكيلو جرام الواحد في الأسواق في مقاطعة جوانجدونج المجاورة. كان ينمي أعماله بثبات منذ التسعينيات، عندما بدأ أول مرة الاحتفاظ بأفاعي الكوبرا في كوخ صغير يتسع لستة من أقفاص الثعابين. استثمر في وقت لاحق الأرباح في مبنى جديد لإبعاد هذه الزواحف السامة أكثر عن الجيران. حضر دورات مع خبراء تربية الثعابين واجتاز الاختبارات ليصبح مربيا مؤهلا. عندما توسع، نقل معظم مخزونه إلى الغابة، على الرغم من أنه لا يزال يحتفظ ببعض الحفر لثعابين الفئران الشرقية، التي ليست سامة، في مزرعته الأصلية.
في 2016، قدر إجمالي قيمة صناعة المربين والمطاعم التي تستخدم الحيوانات البرية من أجل لحومها بـ125 مليار رينمينبي (18 مليار دولار). وعدت الحكومة بتعويض المربين، لكن لا يزال يتم تأخير العملية. هوا، البالغ من العمر 50 عاما، اضطر إلى اقتراض المال لمنع تجارته من الانهيار التام. "منذ ظهور الوباء، لم يكن من الممكن بيع أي شيء. أنا أخسر المال على شراء الفراخ لإطعامها، دفع أجور العاملين، على كل شيء". سافر هو ومربون آخرون إلى عاصمة الإقليمية، نانينج، لتقديم التماس للحكومة - لكن دون جدوى. يتحدث المسؤولون عن إيجاد فرص عمل جديدة للمربين لكن هوا يكافح ليتخيل ما يمكن أن يكون ذلك. يقول: "لا أعرف سوى تربية الثعابين".
هوا وجد نفسه على الجانب المخالف للجهود العالمية للحماية من تفشي مرض معد آخر في المستقبل. يحذر علماء الأوبئة من أن التفشي التالي يمكن بسهولة أن يكون أكثر فتكا من كوفيد - 19 الذي أصاب أكثر من 16 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وأودى بحياة أكثر من 600 ألف شخص. النظرية السائدة هي أنه نشأ في الحياة البرية. الحالات الأولى لفيروس كورونا الجديد التي رصدت في ووهان تم ربطها بسوق هوانان في المدينة التي، وفقا لتقارير وسائل إعلام صينية مستقلة، باعت مجموعة واسعة من المخلوقات، بما في ذلك قط الزباد، والبانجولين، والثعابين.
مسار الفيروس
مسار الانتقال الدقيق لا يزال غير واضح. أفضل التطابقات الجينية لـ"سارس-كوف-1"، الفيروس الذي تسبب في كوفيد - 19، كانت مع فيروسات كورونا حملتها خفافيش حدوة الحصان من مقاطعة يونان الجنوبية الغربية. لكن يعتقد بعض العلماء أن الفيروس مر عبر مضيف وسيط قبل أن يصل إلى البشر. البانجولين، آكل النمل القشري الذي كان شائعا في ما مضى في آسيا، لكنه الآن معرض للانقراض بسبب ارتفاع مستويات الصيد غير المشروع والاتجار، هو أحد المضيفين المحتملين. وسيط آخر تمت الإشارة إليه مبكرا، لكن تبين لاحقا أنه غير محتمل، هو الثعابين.
باعتبارها البلاد التي بدأ فيها الوباء، واجهت الصين ضغطا شديدا لتنظيف تجارة الحياة البرية وأسواق الحيوانات الحية في المناطق الحضرية للحماية من اندلاع المرض في المستقبل. الحكومة التي تطاردها حالات تفشي أوبئة سابقة عديدة - خاصة المتلازمة التنفسية الحادة، سارس، في 2003 التي تم تتبع آثارها إلى قطط الزباد التي تعيش في الغابات - استجابت بشكل حاد، مع التركيز على إغلاق تجارة الحيوانات البرية غير القانونية. رحب خبراء البيئة وعلماء الأوبئة على حد سواء بالحظر، لكن كثيرين طالبوا بتوسيعه وجعله دائما.
وهج التدقيق الدولي أدى إلى زيادة تعقيد جهود الحكومة. الاكتشاف الأصلي لفيروس كورونا في سوق ووهان أثار دعوات في الولايات المتحدة وأوروبا تحث الصين على إغلاق "أسواقها التي تبيع اللحوم الطازجة والأسماك وغيرها من المنتجات سريعة التلف" wet markets. قوبلت هذه الدعوات في الغالب بالارتباك في الصين، حيث الأسواق في المناطق الحضرية، المكونة من الأكشاك الخارجية أو الموجودة في مستودعات كبيرة، مفضلة على المتاجر الكبيرة من قبل أغلبية السكان لشراء احتياجاتهم من البقالة.
عبارة wet markets زادت الشعور بأن هذه الدعوات كانت مضللة. نشأ المصطلح في اللغة الإنجليزية الخاصة بهونج كونج لوصف أكشاك الخضراوات والفواكه واللحوم والمأكولات البحرية الخارجية، التي كانت تحتوي على أرضيات زلقة من مزيج من فضلات الطعام التي تم التخلص منها والمياه المستخدمة لتنظيف المنتج، وليس لها كلمة تعادلها بشكل واضح في لغة الماندرين الصينية. لكن هذا الارتباك اللغوي يشتت الانتباه عن العوائق الأكثر أهمية التي تواجهها الصين أثناء محاولتها السيطرة على تجارة الحياة البرية لضمان الأمن البيولوجي في المستقبل. حتى بالنسبة لدولة الحزب الواحد بقيادة تشي جينبينج، أقوى زعيم في البلاد منذ عقود، هذه مهمة شاقة.
طعام ودواء
كانت تجارة الثعابين واحدة من عشرات صناعات الحياة البرية التي ازدهرت عندما نما سكان الصين وأصبحوا أكثر ثراء. كانت الأنواع النادرة مجال الأشخاص الذين اغتنوا حديثا في الصين. العاج المنحوت ونبيذ عظام النمر غالبا ما كانت ممتلكات ثمينة ويمكن بيعها في مزاد علني مقابل مبالغ كبيرة، أو تقديمها رشا للمسؤولين الفاسدين. تم تقليص هذه الممارسات في الأعوام الأخيرة، جزئيا بفضل حملة الرئيس تشي لمكافحة الكسب غير المشروع، التي حدت من الرشا الصارخة. لكن أشكال التجارة الأكثر ابتذالا استمرت، بل نمت.
الثروة المتزايدة في البلاد أوجدت مجموعة من الأسواق للحياة البرية، بعضها قانوني وبعضها غير قانوني، وكثير منها في مكان ما بينهما. قبل الوباء، تربية وتجارة نحو 50 نوعا محميا كانت مسموحة في الصين. مزيد من الأنواع غير المحمية، مثل الثعابين، يمكن تربيتها وبيعها طالما أن المزارع والأعمال تحصل على تراخيص من سلطات الغابات.
أفاعي الكوبرا التي يربيها هوا، التي حصلت على موافقة رسمية، تباع في الغالب باعتبارها طعاما. يتم تداول أنواع أخرى على أنها حيوانات أليفة غريبة للطبقة المتوسطة الحضرية، أو تستخدم في الأدوية الصينية، ويتم إنتاج كثير منها بكميات كبيرة وشائعة للغاية. في ذروة تفشي فيروس كورونا في الصين، تم علاج أكثر من 90 في المائة من حالات كوفيد - 19 المؤكدة في وسط مقاطعة هوبي بالأدوية الصينية التقليدية، وذلك وفقا لمسؤولين محليين. عديد من هذه العلاجات ذات أساس نباتي ومعدني، لكن بعضها يستخدم أيضا أجزاء من الحيوانات البرية. أعطيت حقنة تحتوي على العصارة الصفراء من دب لأكثر من 30 ألف مريض في 90 مستشفى في أنحاء الصين كافة.
الطلب المتزايد على مخلوقات الحياة البرية أدى إلى تقريب الأمراض الحيوانية من البشر. التحضر السريع تضمن تجارة الحيوانات البرية وحيوانات المزارع التقليدية وسط مناطق مكتظة بالسكان. الاتصال المتزايد بين البشر والحيوانات يزيد من فرص انتقال العدوى وبالتالي خطر ظهور مسببات الأمراض. يقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إن نحو 60 في المائة من الأوبئة منذ 1940 كان مصدرها الحيوانيات، ما يعني أنها تنشأ في الحيوانات، ثم تتحول لتصبح قابلة للانتقال إلى البشر. أغلبية تلك الأمراض حيوانية المصدر كانت من الحيوانات البرية. "إيكو ـ هيلث أليانس" EcoHealth Alliance، المنظمة غير الربحية التي تبحث في الأمراض المعدية الناشئة، تعتقد أنه قد يكون هناك ما يصل إلى 800 ألف مرض غير معروف في أنواع الحيوانات مع القدرة على نقل العدوى إلى البشر. الأسواق مثل تلك الموجودة في ووهان، حيث يتم الاتصال الوثيق مع عديد من الحيوانات البرية الحية المختلفة - والاحتفاظ بها في ظروف سيئة وغير صحية - تزيد بشكل كبير من خطر انتشار العدوى، إما إلى الأنواع المضيفة المضخمة وإما مباشرة إلى البشر.
المربون مثل هوا يمثلون الجانب الآخر من المعادلة بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، الذي يواجه عملية توازن دقيقة. ما يقف في طريق أكثر أشكال الحظر صرامة هو سبل عيش المزارعين الأفراد وشركات الأدوية القوية التي تولد الحياة البرية لاستخدامها في الطب الصيني التقليدي. يقول النشطاء إن الثغرات القانونية والرسائل المتباينة من "الإدارة الوطنية للغابات والأراضي العشبية"، الهيئة المشرفة التي تلعب دورا رئيسا في تسهيل تجارة الحياة البرية، تهدد التقدم أيضا.
ثعبان بصلصلة الزنجبيل
في جوانجشي التي تنتج نحو 70 في المائة من الثعابين في الصين، يعتمد نحو 37 ألف شخص على تجارة الثعابين وسيلة للعيش. تقع بولاو في مقاطعة لينجشان، المعروفة باسم "موطن مربي الثعابين في الصين". حازت المنطقة على الاستحسان من وسائل الإعلام الحكومية الصينية لاستخدامها تجارة الحياة البرية لتحفيز النمو الاقتصادي وتخفيف حدة الفقر. اجتمع أصحاب المشاريع المحليون معا لمشاركة أفضل الممارسات، وإنشاء مزارع حديثة وتوسيع نطاق الصناعة.
بعد أعوام عديدة من التشجيع، هم يعانون الآن من أجل فهم سبب عدم السماح لهم فجأة بتربية الثعابين. يقول دينج كونيو، المربي المتحمس الذي يرتدي "أحذية ذكية" ورداء أبيض، الذي يساعد على إدارة جمعية تعاونية محلية: "جاء كثير من الخبراء إلى لينجشان لرؤية الصناعة. الأعلى شأنا لا يفهمون هذا، لذلك أوقفوها. بدلا من ذلك، كان ينبغي لهم توحيد الصناعة، وجعلها علمية. لا ينبغي أن يكون الأشخاص فقط قادرين على تربية العدد الذي يريدونه".
يمكن القول إن سلسلة مطاعم رونجي، في مدينة جوانجتشو الجنوبية، هي أعمال لحوم الثعابين الأكثر نجاحا في العالم. مع 50 موقعا، حققت إيرادات بقيمة 450 مليون رينمينبي العام الماضي. أطباقها الأكثر شيوعا تشمل الثعبان المطهو بصلصة الزنجبيل وحساء "التنين والعنقاء" المصنوع من مرق الدجاج والثعابين. الأرفف في مكتب مؤسسها ومالكها، وانج جوهوي، مليئة بجوائز الطهي. توجد على الحائط نسخة من رسوم هزلية رسمها فنان محلي مشهور تظهر وانج مع أفعى خضراء لامعة ملفوفة حول رقبته.
وانج أقل حماسة بقليل من صورته الكاريكاتيرية ولا يتراجع في الدفاع عن شركته. يقول: "هذا النهج الحالي الذي يحل كل شيء بضربة واحدة يجبر كل أعمالي على الإغلاق". لم يكن كثير من الناس يعرفون كيفية إعداد الثعابين بشكل صحيح عندما أطلق الشركة قبل 16 عاما، ما أعطاه ميزة تنافسية، كما يقول. تخصصه الآن عبء عليه. "إذا كنت لا أزال مخدوعا في التفكير أن بإمكاني الاستمرار، لكنت قد أفلست منذ فترة طويلة". مع علمه أن عليه أن يجد نشاطا تجاريا جديدا، فقد قام ببيع بعض الفروع وتسريح الموظفين. "إذا كان هذا هو الطريق الذي تتجه إليه السياسة، فلا يسعنا إلا أن نوافق عليها".
مع وضع التأثير في أعماله جانبا، يجادل وانج أيضا بأن حظر الثعابين بشكل مباشر ودائم سينتقل عبر سلسلة التوريد، لأن مربي الثعابين يشترون فراخ ذكر الدجاج التي هي غير مرغوب فيها من مزارع الدجاج التي تحتاج إلى الدجاج فقط لوضع البيض. يعترف أن أكل الثعبان ليس مناسبا للجميع، لكنه يقول إن كثيرا من الناس ما زالوا يريدون هذا الخيار، خاصة في المناسبات الخاصة. "إنها ليست مثل الدجاج أو البط أو السمك، التي يمكنك تناولها ثلاث مرات في اليوم. الأمر أقرب إلى كونك تحصل عليه مرة واحدة في الشهر أو في الشتاء تأخذ حصة إلى والديك". أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الناس يأكلون الأفعى هو الاعتقاد بأن اللحم له خصائص طبية تعمل على "تبديد الغازات وإزالة الرطوبة" - وهو مفيد بشكل خاص في حرارة جنوب الصين الرطبة.
حتى مع الحظر، لم تختف تجارة الحياة البرية في جوانجتشو. يبيع التجار في أكبر سوق للأدوية الصينية في المدينة ضفادع الثلوج، هيلونججيانج، التي لم يتم إدراجها حتى الآن في القائمة البيضاء من قبل الحكومة، إلى جانب الحيوانات القانونية المعتادة مثل قرن الوعل. يقول بعض التجار إنه يمكنهم الحصول على منتجات حياة برية أخرى إذا لزم الأمر. بحسب مالك أحد الأكشاك: "الحيوانات البرية بالتأكيد أفضل من الخيارات التي يصنعها الإنسان - كل شخص في الطب الصيني يقول ذلك. الحيوانات البرية أيضا أغلى من الحيوانات الأليفة، لأنه يصعب العثور عليها وهي أكثر فاعلية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES