Author

«أرامكو» وتجاوز التحديات التاريخية

|


خلال مرحلة الاكتتاب العام في أسهم شركة أرامكو السعودية، التزمت الشركة بتوفير توزيعات أرباح مستدامة على مساهميها، وأن يكون الحد الأدنى للأرباح النقدية السنوية العادية بواقع 281.250 مليار ريال "75 مليار دولار" فيما يتعلق بالعام المالي 2020. وذلك يتطلب ألا تقل الأرباح الموزعة في كل ربع عن 70 مليار ريال.

فالالتزام الذي تعهدت به "أرامكو" في نشرة الاكتتاب، يعد تحديا كبيرا لها، خاصة في هذا العام، الذي شهد تقلبات اقتصادية عالمية لم يشهد العالم لها مثيلا، منذ الكساد الكبير في تشرين الأول (أكتوبر) 1929، بل إن البعض يذهب إلى القول إنه لم يشهد التاريخ الاقتصادي لها مثيلا. فالإغلاق الكبير الذي ساد دول العالم، تسبب في إرباك كبير لقطاع الطاقة، حيث أوقف الإغلاق الطلب على قطاعات النقل تقريبا، ولمدة تجاوزت أربعة أشهر، أي ثلث عام.

كما أن توقف المصانع والإنتاج العالمي وسلاسل الإمداد، تسبب في تراجع النمو العالمي بنسب تجاوزت 4 في المائة. ولا يزال صندوق النقد الدولي، ومؤسسات عالمية، تعد تقدير حجم التراجع شهريا، نظرا إلى أن الحجر الصحي لعديد من الدول، لم يزل فاعلا، كما أن هناك موجة ثانية لهجوم الفيروس، بدت في الأفق.

هذا التراجع الاقتصادي كانت له أبعاد خطيرة على صناعة النفط، حيث تراجعت الأسعار مع الأشهر الأولى لظهور الفيروس في الصين بشكل خطير جدا، وتراجعت من سقف 65 دولارا حتى وصلت إلى مستويات 20 دولارا خلال أيام فقط. ولن ينسى العالم نيسان (أبريل)، عندما تهاوت الأسعار حتى دون الصفر، في ظاهرة اقتصادية محيرة.

وتبعا لذلك، تراجعت أسعار شركات النفط حول العالم، ولم تكن شركة أرامكو استثناء، وبدا التزام "أرامكو" بالوعد بتدفقات نقدية تصل إلى حدود 70 مليارا، صعبا، لكن "أرامكو" أوفت بوعدها، فعلى الرغم من تراجع الأرباح، أعلنت الشركة توزيع أرباح لمساهميها، بلغت 70.32 مليار ريال، تمثل أرباح الربع الثاني.

ولعله من الجدير بالذكر، أن الأعوام الطويلة والخبرات المتراكمة لدى قيادات شركة أرامكو، مكنتها من تحديد هذه الأرقام الصعبة، وقبول التحديات التاريخية، فـ"أرامكو" التي ولدت في أربعينيات القرن الماضي، تقف اليوم على سجل هائل من التجارب الصعبة، والصدمات النفطية الكثيرة، التي كونت لها رصيدا من القدرة على التنبؤ والتخطيط الجيد، كما مكنتها من بناء قدرات كبيرة في توفير التكلفة مقارنة بأفضل المنافسين.

فالشركة، كما في نشرة الاكتتاب، قادرة على تحقيق زيادة كبيرة في التدفقات النقدية في حال ارتفاع أسعار النفط الخام، وقادرة أيضا على الحفاظ على تدفقات نقدية إيجابية خلال فترات انخفاض الأسعار، بفضل متوسط تكاليف الإنتاج، التي تعد أقل من شركات النفط العالمية الخمس الكبرى، فمتوسط تكاليف إنتاج النفط الخام من المكمن Reservoir في الشركة 10.6 ريال سعودي "2.8 دولار أمريكي"، لكل برميل مكافئ.

وبهذه القدرات، التي طورتها "أرامكو" على مدى عقود طويلة، استطاعت أن تتفوق بشكل هائل على أكبر خمس شركات نفط في العالم خلال النصف الأول من العام الجاري، فقد أكدت تقارير "الاقتصادية" أن الشركة حققت أرباحا صافية في النصف الأول، فيما سجلت الشركات الخمس خسائر قياسية، وهي: إكسون موبيل، وشيفرون "الولايات المتحدة"، وتوتال "فرنسا"، وشل "بريطانيا وهولندا"، وبي بي "بريطانيا".

ومن الجدير بالذكر، أن هذه المقدرة على إنتاج الأرباح، لم تكن بسبب انخفاض تكلفة الإنتاج فحسب، بل بسبب خطط الاستحواذ الناجحة، التي قادتها الشركة لعقود، للفوز بمنصات التكرير، كما أن الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، وصف أداء الربع الثاني بالقوي، ويعزى ذلك إلى عوامل، أهمها المتانة المالية والتشغيلية، وتكاليف الإنتاج المنخفضة، وكفاءة الموارد البشرية، وكذلك نطاق الأعمال الفريد.

إن هذه القدرة الخارقة على تنفيذ الالتزام والوعود بشأن التدفقات النقدية، هي التي قادت سهم "أرامكو" ليحقق أفضل أداء بين أسهم كبرى شركات النفط العالمية، فقد استطاع السهم أن يمحو كل آثار القلق التي تعرض لها المستثمرون مع الانهيارات التي أصابت الاقتصاد العالمي كله، حيث تسببت تلك المخاوف في تراجع السهم 6.2 في المائة، لكنه استطاع العودة بقوة إلى مستوى 33 ريالا، في حين هبط سهم "شيفرون" أقرب منافسي "أرامكو" بنحو 28 في المائة.

إنشرها