Author

ذروة الإنتاج أم ذروة الطلب؟ «3»

|
عودا على بدء، ذكرت في المقالين السابقين من هذه السلسلة أن استشراف مستقبل النفط لا يصب في مصلحة المنتجين فحسب، بل يمتد إلى المستهلكين وأرباب صناعة النفط والخدمات المساندة لها. أضفت أن مخرجات الدراسات الاستشرافية ليست مسلمات ذات طبيعة جامدة، بل يجب أن تتصف المراكز المختصة بهذا النوع من الدراسات بالديناميكية ومتابعة المتغيرات التي تطرأ على مدخلات المواضيع محل الدراسة دوريا لتقييمها وتقويمها. ماريون كينج هوبرت الدكتور الأمريكي وعالم الجيولوجيا الذي يعد من أوائل من قال بفكرة ذروة الإنتاج، التي تسمى "نظرية قمة هوبرت". ذكرت أن هوبرت في عام 1956 استشرف ذروة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، وتوقع أن يبلغ ذروته عام 1965، وكحد أقصى عام 1970، وهذا ما حدث فعلا في ذلك التاريخ وأكد نظريته، لكن بعد العودة للأرقام التاريخية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، نجد أن هذه البيانات خصوصا آخر عشرة أعوام تخالف نظريته بل تجعلها من الماضي، حيث إنه خلال 63 عاما، تطورت صناعة النفط تطورا كبيرا في جميع مجالاتها المختلفة، هذا التطور التقني أسهم في استكشاف حقول جديدة، ورفع كفاءة الإنتاج من حقول قائمة، وهذا ما لم يستشرفه هوبرت.
اختتمت المقال السابق ببعض الأسئلة وهي محور هذا المقال، ماذا عن فرضية ذروة الطلب؟ أهي مسلمة من المسلمات؟ أم قد يجري عليها ما جرى على ذروة الإنتاج؟ فيما يخص الطلب على النفط في المستقبل المتوسط الذي يمتد من خمسة إلى 20 عاما، فهناك دراسات تتوقع أنه من عام 2025 سينخفض نمو الطلب على النفط بصورة كبيرة حتى يصل إلى 100 ألف برميل سنويا في 2030، حيث يعتقد بعض الجهات أنه عام بلوغ ذروة الطلب على النفط. بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة نحو 50 في المائة عام 2050 ليصل إلى 900 كوادريليون "مليون مليار" وحدة حرارية، مقارنة بكمية الاستهلاك عام 2020 التي تبلغ 620 كوادريليون وحدة حرارية، وجل هذا النمو يأتي من الدول الآسيوية.
هل أخذت نسبة النمو السكاني والصناعي السابقة في حسبان من يتوقعون أن ذروة الطلب على النفط ستكون عام 2030؟ وهل مصادر الطاقة المتجددة والبديلة قادرة على تلبية هذا النمو عام 2050؟ هل ترتقي هذه التوقعات والفرضيات لتعامل على أنها مسلمات؟.
أرى من وجهة نظر شخصية، أن فرضية ذروة الطلب على النفط ليست إلا فرضية تحكمها عوامل سريعة التغير، وقد يجري عليها ما جرى على نظرية هوبرت التي تتعلق بذروة الإنتاج. إن اتفقنا جدلا أن مصادر الطاقة الأخرى ستؤثر في كمية الطلب على النفط، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن نغفل نقطة جوهرية وهي أن النفط ليس حكرا على الطاقة، وقد فصلت في مقالات كثيرة سابقة استخداماته وتطبيقاته الكثيرة والأساسية. قناعتي أن التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة والبديلة محليا وعالميا لن يضر بصناعة النفط، بل سيسهم في رفع كفاءة استهلاكه واستخدامه بحكمة، وأن ذروة الطلب على النفط ليست مسلمة من المسلمات، وكما قيل، "الأيام حبلى يلدن كل عجيب".
إنشرها