FINANCIAL TIMES

الصين متقدمة كثيرا في التنقيب عن "النفط الجديد"

الصين متقدمة كثيرا في التنقيب عن "النفط الجديد"

منذ أن تم اقتراح الفكرة لأول مرة في 2006، الحجة القائلة إن "البيانات هي النفط الجديد" شقت طريقها تدريجيا إلى الخطاب السائد كتفسير أنيق وتصور لشيء فوضوي غير مفهوم.
التكافؤ، مهما كان مبالغا فيه، له سحره. فكرة أن العالم الحديث يمنح قيمة تجارية هائلة للبيانات تبدو مصادقا عليها من خلال التجربة اليومية: إعلانات وسائل الإعلام الاجتماعية المستهدفة بشكل مخيف، وصانعو الأحذية الذين يتتبعون مسيرة الجري الصباحي الذي يمارسه الناس، والخوارزميات في مكان العمل التي تتعلم فنها من مجموعات البيانات التي أنشأها الناس، وجلسات استماع في الكونجرس الأمريكي لمكافحة الاحتكار بشأن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تصل تقييماتها إلى طبقات الجو العليا.
يبدو أيضا أن الدقة الجيوسياسية لهذا القياس تأكدت من خلال التهديد، أو الحظر الحقيقي لتيك توك وهواوي. من السهل تعظيم قيمة البيانات باعتبارها شريان الحياة الذي لا غنى عنه في الاقتصادات الحديثة. كما هو الحال مع النفط، يمكننا أن نرى أن حمايته تصبح مسألة ذات أولوية وطنية، واستراتيجيات طويلة الأجل، وربما صراع.
الأسئلة الملحة الآن أمام قطاع الأعمال - عبر جميع الصناعات وحول العالم - هي كيف نستخدم ذلك القياس حرفيا، سواء كنا بحاجة إلى مزيد من الحماية الدؤوبة للبيانات، أو ما إذا كانت الشركات الصينية، خاصة التي تدعمها الدولة، قد اتخذت قرارات صحيحة بشكل مدمر في هذا الشأن منذ زمن بعيد.
الأشخاص الذين شاركوا عن كثب في الكشف عن سرقة البيانات من الشركات الغربية، يجادلون بأن هذه القضية وصلت الشهر الماضي إلى نقطة تحول حرجة، لكنها غير مفهومة بشكل تام. حدث هذا عندما أمرت الولايات المتحدة الصين بإغلاق قنصليتها في هيوستن. أشار كثيرون إلى أن هذه الخطوة تشير إلى شقاق أيديولوجي مستعص وبدء حرب باردة جديدة. على نحو أقل وضوحا، يشيرون أيضا إلى أن البيانات، التي تنتجها أساسا الشركات الخاصة وتجمعها بكميات هائلة، ربما تكون قد انضمت أخيرا إلى النفط باعتبارها سببا للحرب.
كان تفسير وزارة الخارجية الأمريكية لإغلاق القنصلية هو أنه تم لحماية الملكية الفكرية الأمريكية والمعلومات الأمريكية الخاصة. يتماشى هذا التبرير مع ادعاءات حالية بأن متسللين صينيين يسرقون الملكية الفكرية الأمريكية – بدءا من الأدوية والتكنولوجيا والأجهزة العسكرية إلى العمليات الصناعية بأكملها - التي قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات كل عام.
لكن الأشخاص الذين أسهم عملهم بشكل كبير في قرار هيوستن يخبرونني أن التفاصيل حول ما كان يحدث هناك تدعم هؤلاء المحللين الذين يجادلون بأن إغلاق القنصلية لم يكن سياسيا فحسب، بل كان أيضا رد فعل عمليا على السرقة بدافع تجاري.
يدعي هؤلاء المحققون أن معظم ما كان يتم تهريبه خارج الولايات المتحدة عبر قنصلية الصين في هيوستن هو بيانات أولية تم إنشاؤها بواسطة الجيش العظيم من شركات الطاقة والسلع الزراعية التي تتجمع في رابع مدينة في أمريكا. ويجري سحب المعلومات الدقيقة من الشركات المشاركة في الاستثمار وإنتاج وتوزيع وتداول الطاقة والسلع الأخرى.
كانت المعلومات مطلوبة لأنها يمكن أن تزود الشركات الصينية بميزة تجارية قوية في أسواق الطاقة والزراعة العالمية التي تعد الصين أكبر مستهلكيها في العالم. ويقول المحققون إن المشروع يبدو أنه كان جهدا دقيقا على المدى الطويل، يستهدف بشكل منهجي البيانات من حيث الكمية والنوعية.
مصدر استخباري سابق، مقره في هيوستن مشارك في الحماية السيبرانية لشركات الطاقة، يجادل بأن هناك اختلالا كبيرا بين المواقف الصينية تجاه البيانات ومواقف الشركات الغربية. بعض قطاعات الاقتصاد الأمريكي تزدهر بالتأكيد بفهم متطور وعميق لقيمة البيانات، بقيادة مجموعات التكنولوجيا الكبيرة مثل أمازون وجوجل وفيسبوك وأبل. والأفراد يصبحون على دراية بالقيمة المالية المرتبطة ببياناتهم الشخصية.
لكنه يقول في كثير من الصناعات، الشعور بأن المعلومات مهمة ويجب حمايتها يظل قاصرا. هذا ينطبق بشكل خاص على شركات الطاقة والسلع، حيث الرأي السائد هو أن النفط لا يزال هو النفط ـ ماضيا وحاضرا.
قد تتغير المواقف الآن. لكن أليك ستاب، مدير التكنولوجيا في معهد السياسات التقدمية في واشنطن، يقول إن كثيرا من الناس يترددون في تبني قصة أن البيانات هي النفط لأن من الواضح أنها معيبة.
قائمة الاختلافات الجوهرية بين البيانات والنفط كبيرة. على عكس البيانات، لا يمكن استهلاك النفط إلا مرة واحدة. وهو قابل للاستبدال بالكامل، وقيمته معروفة قبل استخراجه، وينطوي إنتاجه على تكاليف هامشية عالية. قد تكون هناك أيضا مبالغات مفرطة مرتبطة بقيمة البيانات: كثير من مجموعات البيانات التي يمكن أن تضفي من الناحية النظرية قيمة كبيرة هي - على الأقل في الوقت الحالي - غير قابلة للاستخدام، أو من المستحيل دمجها بشكل مفيد مع مجموعات أخرى.
مع ذلك، هناك خطر في الركون إلى هذا التفسير. ففي حين سمحت الشركات الغربية بهروب كميات غير مسبوقة من البيانات، منافساتها من الشركات الصينية ربما اكتشفت أن العيب الأكثر أهمية في البيانات هو نظرية النفط. المعلومات، على عكس الخام، تكلف القليل جدا لتخزينها بكميات ملحمية. يمكن للشركات الصينية، في هذا السياق، تحمل تكلفة ممارسة اللعبة الطويلة والانتظار حتى يتم استخراج قيمة البيانات المسروقة واستغلالها. ربما لا تزال تجلس على بئر تتدفق منها البيانات بغزارة، حتى لو كان إغلاق قنصلية هيوستن يمثل النقطة التي استيقظت فيها الشركات الغربية على ما كانت تخسره وتندفع في عجل الآن لإيقاف التدفق.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES