default Author

الاختلالات العالمية وأزمة كوفيد - 19 «2 من 2»

|
في بداية أزمة كوفيد - 19، تسبب تشديد أوضاع التمويل الخارجي في خروج تدفقات رؤوس الأموال بشكل مفاجئ، مع هبوط أسعار العملات بصورة حادة عبر عديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وأدت سياسات المالية العامة والسياسات النقدية التي واجهت الجائحة بإجراءات قوية استثنائية، خاصة في الاقتصادات المتقدمة، إلى تحسين مزاج المستثمرين على مستوى العالم منذ ذلك الحين، مع حدوث بعض التراجع في التحركات الحادة التي شهدتها العملات في البداية. ولكن عديدا من المخاطر لا يزال قائما، بما في ذلك مخاطر حدوث موجات جديدة من العدوى، وتأثر الاقتصاد على نحو لا يمحى، وتجدد التوترات التجارية.
ومن الممكن أن يؤدي حدوث موجة أخرى من الضغط المالي العالمي إلى مزيد من التحولات في مسار التدفقات الرأسمالية، والضغوط على العملات، وزيادة مخاطر الأزمات الخارجية في الاقتصادات التي تعاني مواطن ضعف سابقة على الأزمة، مثل عجوزات الحسابات الجارية الكبيرة، وارتفاع نسبة الدين بالعملات الأجنبية، ومحدودية الاحتياطيات الدولية، على النحو الذي يركز عليه الفصل التحليلي لهذا العام. ومن الممكن أيضا أن يؤدي تفاقم جائحة كوفيد - 19 إلى إحداث خلل في حركة التجارة وسلاسل الإمدادات العالمية، وتخفيض الاستثمار، وإعاقة التعافي الاقتصادي العالمي.
وبشأن تخفيف الأعباء واستعادة توازن الاقتصاد العالمي ينبغي لجهود السياسات أن تواصل التركيز في المدى القصير على تقديم الإمدادات الحيوية اللازمة وتشجيع التعافي الاقتصادي. وستستفيد الدول ذات أسعار الصرف المرنة من مواصلة السماح بتعديل أسعار الصرف استجابة للأوضاع الخارجية، حيثما أمكن ذلك. ومن الممكن أن يساعد التدخل في سوق الصرف الأجنبي، حيثما دعت الحاجة إليه وتوافرت الاحتياطيات الكافية، على تخفيف حدة أوضاع السوق غير المنظمة. وبالنسبة للاقتصادات التي تواجه ضغوطا مربكة على موازين مدفوعاتها ولا تتوافر لها فرص الحصول على تمويل خارجي خاص، يمكن أن يساعد التمويل الرسمي وخطوط تبادل العملات على توفير مساعدات لتخفيف العبء الاقتصادي والحفاظ على الإنفاق الضروري على احتياجات الرعاية الصحية.
وينبغي تجنب الحواجز الجمركية وغير الجمركية، خاصة فيما يتعلق بالمعدات والإمدادات الطبية، والتراجع عن القيود الجديدة التي فرضت على التجارة. فاستخدام التعريفات الجمركية لاستهداف الأرصدة التجارية الثنائية يفرض تكلفة باهظة على التجارة والنمو، وغالبا ما يسفر عن تحركات تعويضية في أسعار العملات. كذلك فإن التعريفات الجمركية عادة ما تفتقر إلى الفاعلية في تقليص الاختلالات الخارجية المفرطة وانحرافات أسعار الصرف، ما يتطلب معالجة التشوهات الاقتصادية الكلية والهيكلية الأساسية. وثمة ما يستدعي تحديث النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد وتعزيز القواعد التي تحكم الدعم ونقل التكنولوجيا، بما في ذلك عن طريق التوسع في القواعد المتعلقة بالخدمات والتجارة الإلكترونية وضمان وجود نظام كفء لتسوية المنازعات لدى منظمة التجارة العالمية.
وعلى المدى المتوسط، سيتطلب تقليص الاختلالات المفرطة في الاقتصاد العالمي بذل جهود مشتركة من جانب كل الدول ذات الأرصدة المفرطة، سواء على جانب الفوائض أو العجوزات. وقد تستمر التشوهات الاقتصادية وتشوهات السياسات السابقة على أزمة كوفيد - 19، أو تزداد سوءا، ما يقتضي القيام بإصلاحات مصممة حسب ظروف كل دولة.
وفي الاقتصادات التي كانت العجوزات المفرطة في حساباتها الجارية قبل الأزمة ترجع إلى وجود عجوزات أكبر من المستوى المرغوب في المالية العامة (كما هو الحال في الولايات المتحدة)، وحيثما كانت هذه الاختلالات لا تزال قائمة حتى الآن، فإنه يمكن أن يؤدي الضبط المالي على المدى المتوسط إلى تشجيع الحفاظ على الدين في حدود مستدامة، وتقليص الفجوة المفرطة في الحساب الجاري، وتيسير زيادة الاحتياطيات الدولية حيثما دعت الحاجة إلى ذلك (كما في الأرجنتين). وستستفيد الدول التي تواجه تحديات في تنافسية الصادرات من إجراء إصلاحات لرفع الإنتاجية.
وفي الاقتصادات التي لا تزال فوائض حساباتها الجارية المفرطة مستمرة منذ فترة سابقة على الأزمة، هناك ما يدعو إلى إعطاء أولوية للإصلاحات التي تشجع الاستثمار وتثبط الإفراط في الادخار الخاص. وفي الاقتصادات التي لا يزال لديها حيز مالي، فإن اتباع سياسة للمالية العامة تركز على النمو يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الصلابة الاقتصادية وتخفيض الفائض المفرط في الحساب الجاري. وفي بعض الحالات، قد يستدعي الأمر أيضا إجراء إصلاحات لتثبيط الادخار الوقائي المفرط (مثلما هو الحال في تايلاند وماليزيا) بما في ذلك التوسع في شبكة الأمان الاجتماعي.
إنشرها