أخبار اقتصادية- عالمية

انفجار مرفأ بيروت يفاقم أزمة الاقتصاد اللبناني المكروب .. والخسائر تصل إلى 5 مليارات دولار

انفجار مرفأ بيروت يفاقم أزمة الاقتصاد اللبناني المكروب .. والخسائر تصل إلى 5 مليارات دولار

احتجاجات في بيروت على الانفجار المدمر الذي وقع في المدينة الثلاثاء الماضي. "الفرنسية"

الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت كان أشبه بانفجار قنبلة نووية، وسمعت أصداؤه في كل أنحاء العاصمة اللبنانية بيروت وتسبب في أضرار هائلة وأوقع أعدادا كبيرة من الضحايا والبيوت والمباني المتضررة والمدمرة، إضافة إلى المؤسسات والمحال التجارية في مناطق تبعد بعضها عشرات الكيلومترات عن المركز.
وأدى الانفجار إلى تشريد أكثر من 300 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمرفأ وفي قلب العاصمة بعد انهيار منازلهم أو تصدعها أو تطاير واجهاتها الزجاجية والحديدية التي ملأت الطرقات، ومعظم مباني المرفأ الواقعة في محيط الانفجار تضررت بشكل كامل.
ويعد مرفأ بيروت أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية في لبنان، وتمر من خلاله نحو 70 في المائة من حركة التجارة الصادرة والواردة من لبنان وإليه.
وتسبب الانفجار بتدمير عدد من السفن بشكل كامل، كما أصيب عدد من السفن بأضرار كبيرة، إضافة إلى تضرر العشرات من الحاويات التي كانت موجودة على أرض المرفأ، كما أدى تدمير مرفأ بيروت إلى توقف حركة الاستيراد والتصدير، إضافة إلى توقف حركة رسو السفن وخسارة كبيرة للقطاع الجمركي بسبب انعدام الرسوم الجمركية.
وتعد المناطق الأكثر تضررا هي المناطق المحيطة بمرفأ بيروت والقريبة منه وهي: الجميزة، الصيفي، الأشرفية، فرن الشباك، الكرنتينا، الرميل، مار مخايل، والحكمة، إضافة إلى مساحة واسعة من بيروت، كرأس بيروت، الحمرا، زقاق البلاط، الخندق الغميق، وبرج المر.
وقدرت قيمة الأضرار والخسائر جراء الانفجار الهائل من ثلاثة إلى خمسة مليارات دولار، إضافة إلى تضرر عشرات المؤسسات الاقتصادية والمحال التجارية والأبنية السكنية في وسط بيروت والمناطق المحيطة بمرفأ بيروت التي أدت إلى تشريد آلاف الأشخاص من منازلهم التي أصبحت غير صالحة للسكن.
وأصيب عدد من المستشفيات في بيروت جراء الانفجار، منها أربعة مستشفيات تضررت بشكل كبير، وكان مستشفى الروم الأكثر تضررا وهو يقع في منطقة الأشرفية شرق بيروت فقد أصبح خارج الخدمة بعد احتراق أغلب المعدات الطبية فيه، كما أصيب مستشفى الجامعة الأمريكية بأضرار كبيرة ولم يعد باستطاعته استقبال مزيد من الجرحى.
وشهد لبنان تدفقا كبيرا للمساعدات الإنسانية والإغاثية لإعانته على تخطي تداعيات الانفجار الكبير على الصعيدين الصحي والاقتصادي، وكان أبرزها الجسر الجوي السعودي - الذي يستمر لمدة أربعة أيام - يحمل مساعدات إنسانية عاجلة لإغاثة الشعب اللبناني، إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، وتقديم العون والمساعدة الطبية والإنسانية العاجلة لمتضرري انفجار مرفأ بيروت.
وتركت الأضرار الجسيمة - التي نجمت عن الانفجار الكبير - تداعيات هائلة شملت النواحي الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، والصحية، وهي أضرار لا يمكن تجاوز آثارها المدمرة إلا من خلال تأمين مساعدات خارجية يتمكن بعدها الشعب اللبناني من تخطي تداعيات هذا الانفجار.
وبات من الممكن الآن أن ينكمش الاقتصاد اللبناني، المكروب بالفعل من قبل الانفجار الذي دمر ميناءه الرئيس، بمثلي المعدل المتوقع سابقا للعام الحالي، ما سيزيد صعوبة تدبير التمويل الذي يحتاجه لبنان للوقوف على قدميه من جديد.
وبحسب "رويترز"، يقول الاقتصاديون إن انفجار الثلاثاء، الذي ألحق أضرارا بأجزاء كبيرة من المرافق التجارية لبيروت، قد يفضي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي نحو 20 إلى 25 في المائة هذا العام - ليتجاوز بكثير توقعا حديثا من صندوق النقد الدولي لتراجع نسبته 12 في المائة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة.
وتشير تقديرات المسؤولين اللبنانيين إلى أن الخسائر الناجمة عن الانفجار، الذي أودى بحياة 150 شخصا وأصاب الآلاف فضلا عن تشريد عشرات الآلاف، قد تصل إلى مليارات الدولارات.
كانت أزمة مالية أجبرت لبنان بالفعل على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في أيار (مايو) من العام الحالي بعد أن تخلف عن سداد ديونه بالعملة الصعبة، لكن تلك المحادثات تعثرت في غياب الإصلاحات.
ويقول المحللون إن الانفجار يسلط الضوء على إهمال الإدارة اللبنانية ويفرض مزيدا من الضغوط على الحكومة للتعجيل بالإصلاحات كي تحصل على المساعدة الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد.
ورغم إبداء التعاطف الواسع مع لبنان هذا الأسبوع، فقد لوحظ غياب أي التزامات بتقديم المساعدة حتى الآن، عدا الدعم الإنساني الطارئ.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس الماضي بينما كان يتفقد الدمار الذي أصاب مرفأ بيروت "في حالة عدم تنفيذ إصلاحات، فإن لبنان سيستمر في الغرق".
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، "من المستبعد للغاية أن يتمكن لبنان من تدبير التمويل الذي يحتاجه للتغلب على مشكلاته الاقتصادية العميقة".
بلغت الأزمة المالية اللبنانية مرحلة حرجة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في ظل تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات ضد الفساد وسوء الإدارة، بينما حدت أزمة في العملة الصعبة البنوك لفرض قيود صارمة على سحب السيولة وتحويل الأموال إلى الخارج.
وجدد الانفجار الضغط على الليرة اللبنانية، التي جرى تداولها بنحو 8300 ليرة للدولار في السوق السوداء عقب الانفجار، مقارنة بثمانية آلاف قبله، حسبما قال متعاملون.
ويتوقع الاقتصاديون مزيدا من التآكل في القوة الشرائية للعملة، التي فقدت نحو 80 في المائة من قيمتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) وسط تضخم فلكي يتجاوز 56 في المائة، ما يؤجج التوترات الاجتماعية.
ويقول الاقتصاديون إن الإصلاحات الأشد إلحاحا التي يجب تطبيقها لاستئناف المحادثات مع صندوق النقد تشمل معالجة عجز الميزانية الجامح وتنامي الديون والفساد المزمن.
وقال باترك كوران، كبير الاقتصاديين بشركة تليمر للأبحاث في بريطانيا، "نرى أن الانفجار قد يؤخر عملية الإصلاح في ظل محاولة الحكومة التنصل من المسؤولية، ما سيؤدي إلى تآكل رأس المال السياسي الضروري لإجراء إصلاحات صعبة، لكن الحاجة تشتد لها".
ويقول رجال الأعمال والاقتصاديون إن الميناء - أحد أكبر موانئ شرق المتوسط الذي تتوجه 40 في المائة من شحناته العابرة إلى سورية ومنطقة الشرق الأوسط - فقد بالفعل إيرادات وأعمالا منذ الانفجار لمصلحة موانئ منافسة مع قيام شركات النقل البحري بتحويل اتجاه شحنات.
وقال جواد العناني، الاستشاري الاقتصادي الإقليمي والوزير الأردني السابق، "اتضح أن الميناء هو نقطة ضعف (لبنان).. الاعتماد عليه كان أكبر ما ينبغي، لذا عندما لحقه الدمار اتضح أنه كان كعب أخيل".
فتح ديفيد سابيلا مطعما إيطاليا قبل 18 شهرا في منطقة الجميزة القريبة من الميناء، وقد تحطم في الانفجار. يقول "الحكومة لازم ترحمنا. ما صار معي شيء".
ولن تفضي التوترات السياسية المتصاعدة منذ الانفجار إلا لمزيد من التدهور وتعقد جهود تسريع الإصلاحات، ما يدفع لبنان صوب مستقبل مجهول.
يقول كمال حمدان، مدير مؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت، "النظرة المستقبلية تبعث على الاكتئاب في ظل الصراعات الدائرة بين طبقة سياسية غير متوافقة على سبيل للخروج من الأزمة وغير مستعدة لتناول الدواء المر".
وأطلقت الشرطة اللبنانية الغاز المسيل للدموع على متظاهرين يحاولون اختراق حاجز الوصول إلى مبنى البرلمان في بيروت أمس في حين سمع دوي إطلاق نار مع تنامي الاحتجاجات على الانفجار المدمر الذي وقع في المدينة الثلاثاء الماضي.
واقتحم عشرات المحتجين مبنى وزارة الخارجية وأضرموا النار في صورة للرئيس ميشال عون وممثلين لكثير من النخبة السياسية التي حكمت لبنان لعدة عقود التي يحملونها مسؤولية الأزمة السياسية والاقتصادية العميقة التي تمر بها البلاد.
وقال أحد المحتجين بمكبر صوت "نحن باقون هنا ندعو الشعب اللبناني لاحتلال جميع الوزارات".
وتجمع آلاف في ساحة الشهداء بوسط المدينة ورشق بعضهم الجنود بالحجارة. وقال صحافي من "رويترز" إن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع عندما حاول بعض المحتجين اختراق الحاجز الذي يسد الشارع المؤدي إلى البرلمان.
وأكدت الشرطة أنه تم إطلاق رصاص. ولم يتضح بعد من الذي يطلق النار وعلى من؟
وردد المحتجون هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام"، كما رددوا هتاف "ثورة.. ثورة". ورفعوا لافتات تقول "ارحلوا.. كلكم قتلة". وقام جنود يركبون سيارات عليها مدافع رشاشة بدورية في المنطقة وسط الاشتباكات.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية