Author

التوطين الشامل للأنشطة التجارية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها العالم قد يكون من الصعب الحديث عن البدء بأنشطة تجارية جديدة، فالأنشطة التجارية والمشاريع التي تعد ناجحة ولا تمر بأزمة فعليا تحاول قدر الإمكان استبقاء نشاطها لا التوسع أو الأرباح، إذ إن الحالة التي يمر بها العالم اليوم استثنائية، والبعض متفائل بأن الأمور ستتحسن مستقبلا، لكن الأنشطة التجارية الجديدة قد تكون أكثر تشاؤما، فهي لم تبدأ بعد، وفي المقابل نجد أن الأزمات تولد من رحمها فرص، خصوصا عندما يكون هناك برامج وخطط تدعم هذا التوجه وتعزز من نجاحه، بل تعد نفسها جزءا منه كأنها فعليا شريك له، وهذا ما يمكن لنا أن نلاحظه من خلال البرامج والخطط الحكومية لبناء منظومة اقتصاد حيوي ومستدام ومتنوع، يكون المواطن ركيزة في هذا النشاط وليس متفاعلا معه. ومن هنا كان هناك دعم كبير لتوطين الوظائف والأنشطة التجارية وبناء منظومة اقتصادية تدعم المحتوى المحلي وتعزز قدرة المنتج الوطني على مزيد من التنافسية بما يدعم قدرته على الإنتاج والتصدير والمنافسة للمنتجات في مختلف دول العالم.
لا شك أن هناك دعما كبيرا للأنشطة التجارية بأنواعها في المملكة والحرص على توطينها، حيث تكون ملكيتها فعليا للمواطن من خلال مجموعة من الإجراءات مع استمرار دعم استقطاب الاستثمارات الأجنبية. لكن الملاحظ أن هناك اهتماما من قبل المواطنين بأنشطة تجارية محددة، مثل قطاع خدمات المطاعم وتقديم القهوة وقطاع الهواتف المحمولة وإكسسواراتها، حتى أصبحت المنافسة كبيرة في هذا النشاط بين المواطنين في ظل وجود أنشطة تجارية كثيرة وإمكانية نجاحها عالية مقارنة بالأنشطة التجارية السابقة. فمن خلال النظر إلى التوسع الكبير في مختلف الأنشطة التجارية، نجد أن هناك أنشطة شبه غائبة تماما عن المواطنين مع أن فرص نجاحها عالية، ومن ذلك على سبيل المثال، الأنشطة المرتبطة بمشاريع البناء التي يرتبط بها عشرات الأنشطة التجارية وتتميز بأهميتها واستدامتها وانخفاض المخاطر فيها نسبيا من جانب احتمال التلف للسلع الذي بدوره يمكن أن يولد فرصا، حيث يستفيد صاحب النشاط من عمليات التذبذب في الأسعار وتنافسية الشركات في تسويق منتجاتها، إضافة إلى حاجة الناس إليها حتى في ظل وجود ظروف اقتصادية متقلبة، فالبناء والمسكن ضروريان للفرد ولن يمتنع الإنسان عن الاجتهاد في الحصول على مسكن حتى في ظل وجود تقلبات للاقتصاد، كما أن سهولة تخزين تلك المواد دون الحاجة إلى اشتراطات كثيرة، يجعل مخاطر هذا النشاط محدودة، كما أن النمو في الاقتصاد والسكان المتوقع، سيدعم نمو هذا النشاط. ومن الأنشطة التجارية التي يمكن أن تحقق عوائد جيدة، قطاع الصيانة المنزلية التي تعد غالبا يسيرة، لكن عوائدها عالية فيما لو تمكن المستثمر من بناء الثقة مع العملاء. ومن القطاعات المهمة، التي يمكن أن تحقق عوائد جيدة، الأنشطة المرتبطة بالمركبات وقطع الغيار والصيانة. ما سبق عبارة عن أمثلة لمجموعة من الأنشطة التي يمكن للمواطن أن يستثمر فيها ويحقق نجاحا مبهرا بدلا من التركيز على أنشطة محدودة قد تكون متشبعة.
توجيه رواد الأعمال من المواطنين إلى أنشطة تجارية متنوعة قد يحتاج إلى شيء من الاهتمام والتدريب بما ييسر مسألة النجاح، وذلك مرتبط بشكل كبير بالجهات المستفيدة من هذا التوجه. فعلى سبيل المثال، نجد أن المستفيد من نجاح رواد الأعمال في قطاع البناء هو، الشركات التي تنتج مواد البناء، وليس التجار الذين يجدون في هؤلاء منافسين لهم في السوق رغم أنهم في واقع الحال ليسوا منافسين بقدر ما يدعمون بصورة أكبر نشاط وحركة السوق. لذلك، من المهم أن تعمل تلك المصانع، بدعم من المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، على وضع برامج تهيئة وتدريب، بل إضافة إلى ذلك دعم وتمويل لرواد الأعمال، فذلك بلا شك سيكون له دور في استدامة النشاط الاقتصادي محليا، ويدعم تلك الشركات قطعا، ويحد من تسرب الأموال وتحويلها إلى الخارج، بما يعزز من استمرار تدويرها محليا، وهذا بلا شك سيدعم الاقتصاد المحلي، وبالتالي جميع الأنشطة الاقتصادية والمنتجات.
الخلاصة: الدعم الحكومي اليوم يشجع الجميع على أن يكون لديهم فرص كبيرة لنجاح مشاريعهم، لكن من المهم عدم التركيز على أنشطة تجارية محدودة لتوطينها في ظل وجود فرص أكبر في أنشطة تجارية يغفل كثير من رواد الأعمال عنها، ومن هنا تأتي أهمية العمل والتنسيق بين الجهات المستفيدة من النمو في الأنشطة التجارية المستهدفة ورواد الأعمال، بما يعزز فرص نجاحهم في هذه الأنشطة ويدعم قوة ومتانة الاقتصاد الوطني.
إنشرها