ثقافة وفنون

«العامية» تتسلل إلى قصص الأطفال .. ومخاوف من انشطار لغوي

«العامية» تتسلل إلى قصص الأطفال .. ومخاوف من انشطار لغوي

مؤلفون: الحديث عن الفصحى بأنها لغة صعبة يجب أن يتوقف حالا.

تسللت اللهجة العامية إلى قصص الأطفال بشكل ملحوظ، بعد أن ظلت العربية الفصحى هي الغالبة لعقود طويلة في هذا المجال، في نهج جديد يقول مؤيدوه - كتابا ومتخصصين - "إنها تناسب مرحلة عمرية معينة، وجدت كي لا تحرم الطفل متعة الاستماع للقصة"، فيما يرى معارضو قصص الأطفال بالعامية أنها مضرة بالطفل، تجر الطفل إلى "عامية" الكاتب، نظرا إلى تعدد اللهجات العامية في الدولة الواحدة.
ويزيد من تصاعد استخدام اللغة الدارجة أو العامية في القصص المكتوبة وحتى الأعمال التلفزيونية أن هذا المسار سلكته دول عالمية، مثل ألمانيا وسويسرا، وشهدت هذه الدول وغيرها موجات متصاعدة من نشر كتب الأطفال بلهجات محلية، وسط اهتمام متزايد بإنتاج قصص الأطفال، التي تنمي مهارات وقدرة الفرد على فهم اللغة، والإدراك، والمعرفة، وتوسيع الخيال، والتعرف على أماكن وأزمنة أخرى، وتنمية حس التعاطف والتأمل في المسائل الأخلاقية، إلى جانب تحسين قدرة الطفل على الانتباه والتقليل من فرط الحركة.
اتجاه طه حسين
إشكالية الكتابة بالعامية أو الفصحى قديمة متجددة، لقيت تيارات ومدارس مختلفة، أبرزها مدرسة الأديب الراحل طه حسين، الذي حث على استخدام العربية الفصحى، وسار على دربه لفيف من الأدباء والمؤلفين.
من أبرز السائرين على درب طه حسين، الأديب يعقوب الشاروني، صاحب أكثر من 400 مؤلف موجه إلى الأطفال، الذي تحدث في أكثر من تصريح أو خطاب له في مناسبات عدة حول أثر العامية في قصص الأطفال، ويتضح من مواقفه وآرائه أنه من المعارضين لاستخدامها في الكتب الموجهة إلى الطفل، وكان يرى أن الطفل يجب أن يتعلم اللغة الفصحى، لكن بصورتها المبسطة، لافتا إلى أنه يستخدم مرادفات سهلة، فمثلا يستخدم "الشباك" بدلا من "النافذة"، و"يجري" بدلا من "يعدو"، وغيرها من الكلمات.
ويعد ما ذكره الشاروني يشكل صعوبة على الكاتب، الذي لا بد أن يتمتع بحصيلة لغوية كبيرة من أجل نجاحه في هذه الاستراتيجية، حيث يستخدم الكلمة الأقرب إلى الحديث اليومي، ويجد أن هذه الطريقة أفضل من خوض المؤلف في مجال الكتابة بالعامية، كون ذلك يجعل الطفل حكرا على عاميته، لوجود لهجات متعددة عربيا، واستخدام اللهجات العامية يضر باللغة العربية لدى الطفل، وكذلك يضر بالعالم العربي ويمزقه، على حد تعبيره.
أسلوب من اثنينتقول الدكتورة ريهام شندي "إن اقتراحات نشر كتب للأطفال بالعامية عادة ما يقابلها رد فعل سلبي من الناشرين والمؤلفين وأحيانا من الآباء والأمهات"، واستشهدت في مقال صحافي مطول نشرته صحيفة "الشروق" بدراسات إنجليزية، بينت فيه أن الأطفال لا يتمكنون من فهم الكتب المكتوبة بالفصحى مباشرة، فيضطر الوالدان للجوء إلى أسلوب من اثنين، إما قراءة النص المكتوب بالفصحى أولا ثم ترجمته إلى اللغة الأم التي يتحدث بها الطفل، أي العامية، ويؤدي اتباع هذا الأسلوب إلى إنفاق جانب كبير من وقت القراءة على التعريف بالكلمات غير المألوفة وتفسير معناها، أما الآباء والأمهات الذين يتبعون الأسلوب الثاني فيميلون إلى التجاوز عن قراءة النص المكتوب بالفصحى من الأصل والاكتفاء بترجمة النص إلى العامية لحظيا في وقت القراءة، ويعد هذا الحل ليس مثاليا، ولا سيما أن الأطفال الصغار يعشقون التكرار ويستمتعون بالاستماع إلى آبائهم وهم يقرأون الكتب المحببة لهم مرارا وتكرارا، ومن الأسباب التي تقوم عليها هذه المتعة إمكانية توقع الجزء المقبل من النص، ونجد أن الأطفال المعتادين على أن يقرأ لهم آباؤهم يسارعون إلى إكمال الجمل وهم يستمعون إلى قصة تقرأ لهم بصورة متكررة، والترجمة اللحظية تنتقص من هذه الألفة بين الأطفال والكتب، وتقلل من قدرتهم على التوقع.
وخلصت الدكتورة شندي إلى أن تكون هناك كتب مكتوبة بالعامية إلى جانب الكتب المكتوبة بالفصحى، بما يتيح للآباء والأمهات وغيرهم من القائمين على رعاية الأطفال اختيار ما يناسب أطفالهم، بحسب المرحلة العمرية والغرض المقصود، وينبغي ألا يحرم الأطفال العرب من متعة الاستماع دون عناء إلى قصة تقرأ لهم بلغتهم المألوفة التي يعرفونها، شأنهم في ذلك شأن سائر الأطفال في كل أنحاء العالم.
انشطار لغوي
الازدواجية في اللغة، وتنقل الطفل بين العامية والفصحى، يهدد بحصول انشطار لغوي لديه، فيصبح لا يفرق بين اللغتين، خصوصا أن الطفل يتعلم الإنجليزية في المدرسة، ويقرأ الفصحى في الكتب، ويتحدث العامية مع أهله في المنزل، في أحد أكثر التحديات جدلية في أدب الطفل.
وتعد مشكلة اللغة تحديا قائما، يضاف إلى جملة التحديات التي تواجه أدب الطفل، مثل اختيار مغزى الكتاب، والفكرة الملائمة للثقافة المجتمعية، في مرحلة يتكون فيها الطفل، وتتكون فيها شخصيته، ويكتسب القيم والاتجاهات، ويكون فيها آراء عن الأشياء من حوله.
ويرى مؤلفون أن الحديث عن الفصحى بأنها لغة صعبة يجب أن يتوقف حالا، كون الكلمات تلعب دورا كبيرا في ذلك، ويمكن استخدام البسيط سهل الفهم منها، ولو كانت صعبة، لما علقت المسلسلات الكرتونية اليابانية بلغتها الفصحى إبان حقبتي الثمانينيات والتسعينيات في عقول الأطفال حينها، ولا يزالون يتذكرون كلمات أغانيها حتى اليوم، بعد أن أصبحوا رجالا وآباء.
أما الكتابة بالعامية، فيبرز أكبر عيوبها حينما يتم الترويج للكتاب على المستوى الدولي، فما كتب بالعامية السعودية البسيطة - أو اللغة البيضاء كما يطلق عليها - قد يجد الطفل المصري صعوبة في فهمه، والعكس كذلك، فكيف إذا كانت الكتابة بلهجة محلية سعودية، كلهجة أهالي المناطق الجنوبية في جيزان ونجران مثلا، سيكون من المستحيل تسويق الكتاب في أقطار العالم العربي كافة.
مهمة صعبةتبدو مهمة الاختيار بين الكتابة العامية أو الفصحى للأطفال صعبة ومعقدة على الكاتب، كونها جدلية، لكنها تخضع لعديد من الاعتبارات وقناعات المؤلف ودار النشر، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، خصوصا إذا ما علمنا نسبة الأطفال العالية الذين يقرأون القصص والكتب، حتى في ظل ثورة التقنية الحديثة.
ففي دراسة حديثة اطلعت عليها "الاقتصادية"، فإن 77 في المائة من أطفال ألمانيا يقرأون الكتب أو المجلات أو الكوميكس "القصص المصورة" أو الكتب الإلكترونية، أكثر من مرة كل أسبوع خلال أوقات الفراغ، وهي دراسة تمثل نحو 7.4 مليون طفل، في دلالة على الدور الذي تلعبه القراءة لدى هذه الفئة، في حين تغيب الإحصائيات الرسمية حول مستوى قراءة الطفل عربيا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون