Author

ذروة الإنتاج أم ذروة الطلب؟ «2»

|
عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن استشراف مستقبل النفط لا يصب في مصلحة المنتجين فحسب، بل يمتد ذلك إلى المستهلكين وأرباب صناعة النفط والخدمات المساندة لها. أضفت أن مخرجات الدراسات الاستشرافية ليست مسلمات ذات طبيعة جامدة، بل يجب أن تتصف المراكز المختصة بهذا النوع من الدراسات بالديناميكية ومتابعة المتغيرات، التي تطرأ على مدخلات المواضيع محل الدراسة دوريا لتقييمها وتقويمها، فالواقع قد يختلف بصورة كبيرة عن مخرجات هذه الدراسات الاستشرافية. الدكتور الأمريكي وعالم الجيولوجيا ماريون كينج هوبرت، من أوائل من قال بفكرة ذروة الإنتاج، التي تسمى "نظرية قمة هوبرت"، الذي استشرف في عام 1956 أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيبلغ ذروته في 1965، وكحد أقصى في 1970. بالعودة للأرقام التاريخية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، نجد أن توقع "هوبرت" كان صحيحا، حيث إن معدل إنتاج النفط بدأ في الهبوط بعد 1970 وكانت كمية الإنتاج في ذلك العام نحو تسعة ملايين برميل يوميا، ما عزز فرضيته، لكن هل نجح هوبرت، ومن حذا حذوه في استشراف التطور التقني للاستكشاف ورفع كفاءة الإنتاج؟ للإجابة عن هذا السؤال، أرى أنه من الأجدى تسليط الضوء على إنتاج الولايات المتحدة، حيث إنها كانت موضوع نظرية هوبرت. بدأ إنتاج النفط الأمريكي في الهبوط في 1970 حيث بلغ في ذلك العام 9.64 مليون برميل يوميا، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، حتى وصل إلى نحو ثمانية ملايين برميل يوميا في 1976. لم يستمر انخفاض الإنتاج، بل بدأ في الارتفاع حتى بلغ نحو تسعة ملايين برميل يوميا في 1987، لكنه ما لبث أن عاود الانخفاض مرة أخرى من 1987 إلى 2009، حيث بلغ الإنتاج في 2009 نحو خمسة ملايين برميل يوميا، أي أنه انخفض 44.4 في المائة بين عامي 1987 و2009. الأعوام العشرة الأخيرة من 2009 إلى 2019، أعتقد أنها عشرة أعوام استثنائية في صناعة النفط الأمريكية، حيث ارتفع إنتاج النفط الأمريكي بصورة متسارعة جدا من خمسة ملايين برميل يوميا إلى نحو 12.23 مليون برميل يوميا، أي بزيادة 144.6 في المائة في عشرة أعوام، بالعودة إلى البيانات التاريخية لإنتاج النفط الأمريكي من 1956 وهو العام الذي استشرف به هوبرت ذروة إنتاج النفط الأمريكي حتى 2019 "63 عاما"، نجد أن هذه البيانات تخالف نظريته، بل وتجعلها من الماضي. خلال 63 عاما، تطورت صناعة النفط تطورا كبيرا في جميع مجالاتها المختلفة. من طرق وتقنيات الاستكشاف والتنقيب، التي خصصت لها سلسلة من المقالات، حتى تقنيات الحفر وتقنيات رفع كفاءة الإنتاج. هذا التطور التقني أسهم في استكشاف حقول جديدة، ورفع كفاءة الإنتاج من حقول قائمة، وهذا ما لم يستشرفه هوبرت. هذا ينطبق كذلك على روسيا، التي أصبحت أكبر منتج للنفط في 2011، حيث ارتفع معدل إنتاجها إلى 9.8 مليون برميل يوميا من ستة ملايين برميل في أواخر السبعينيات. ماذا عن فرضية "ذروة الطلب"؟ أهي مسلمة من المسلمات؟ أم قد يجري عليها ما جرى على "ذروة الإنتاج"؟ نكمل في المقال القادم - بإذن الله تعالى.
إنشرها